قال الشافعي رحمه الله تعالى: " ولا أَعْلَمُ اخْتِلَافًا فِي أَنْ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ صَدَقَةٌ حَتَى يَبْلُغَ عِشْرِينَ مِثْقَالَا جَيِّدًا كَانَ أَوْ رَدِيئًا أَوْ إِنَاءً أَوْ تِبْرًا فَإِنْ نَقَصَتْ حبةٌ أَوْ أَقَلُّ لَمْ يُؤْخَذْ مِنْهَا صَدَقَةٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَى فِي بَابِ زَكَاةِ الْوَرِقِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ زَكَاةِ الذهب، مع أن الإجماع على وجوب زكاة الذهب، مُنْعَقِدٌ، وَنِصَابُهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا، الْوَاجِبُ فِيهَا نِصْفُ مِثْقَالٍ، فَإِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعِشْرِينَ وَلَوْ حَبَّةً فَلَا شَيْءَ فِيهَا، وَإِنْ زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَلَوْ حَبَّةً وَجَبَتِ الزَّكَاةُ فِيهَا، وَبِهِ قَالَ أبو حنيفة: وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: لَا شَيْءَ فِي الذَّهَبِ حَتَّى يَبْلُغَ أَرْبَعِينَ مِثْقَالًا فَيَجِبُ فِيهِ مِثْقَالٌ، قَالَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الزَّكَوَاتِ اسْتِفْتَاحُ فَرْضٍ بِكَسْرٍ، وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزُّهْرِيُّ نِصَابُ الذَّهَبِ مُعْتَبَرٌ بِقِيمَتِهِ مِنَ الْوَرِقِ فَإِنْ كَانَ مَعَهُ عِشْرُونَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا أَقَلُّ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَلَا زَكَاةَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَقَلُّ مِنْ عِشْرِينَ مِثْقَالًا قِيمَتُهَا مِائَتَا دِرْهَمٍ فَفِيهَا الزَّكَاةُ، قَالَ لِأَنَّ الْوَرِقَ أَصْلٌ وَالذَّهَبَ فَرْعٌ، فَاعْتُبِرَ نِصَابُهُ بِأَصْلِهِ، وَقَالَ مَالِكٌ إِنْ نَقَصَتْ عَنِ الْعِشْرِينَ حَبَّةً وَجَازَتْ جَوَازَ الْوَازِنَةِ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ كَقَوْلِهِ فِي الْوَرِقِ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِنْ نَقَصَتْ رُبُعَ مِثْقَالٍ وَجَبَتْ فِيهَا الزَّكَاةُ، وَإِنْ نَقَصَتْ ثُلُثَ مِثْقَالٍ لَمْ تَجِبْ فِيهَا الزَّكَاةُ.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَصِحَّةِ مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ رِوَايَةُ عَاصِمِ بْنِ ضَمْرَةَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ " لَيْسَ فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ شيءٌ، فَإِذَا بَلَغَ عِشْرِينَ دِينَارًا فَفِيهِ نِصْفُ دِينَارٍ " وَرَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: " ليس فيما دون خمس ذودٍ من الْإِبِلِ صدقةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ عِشْرِينَ دِينَارًا مِنَ الذَّهَبِ صَدَقَةٌ، وَلَا فِيمَا دُونَ مِائَتَيْ درهم من الورق صدقة " لأن ذَلِكَ مَذْهَبُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مُخَالِفٌ فَكَانَ إِجْمَاعًا، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ الشَّافِعِيُّ لِأَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِي الذَّهَبِ خَبَرٌ ثَابِتٌ، لَكِنْ لَمَّا انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا جَازَ الاحتجاج بها.