قَالَ: " هَاتُوا رُبُعَ الْعُشْرِ مِنَ الْوَرِقِ مِنْ كل أربعين دِرْهَمًا وَلَا شَيْءَ فِيهَا حَتَّى تَبْلُغَ مِائَتَيْنِ فَإِذَا بَلَغَتْهَا فَفِيهَا خَمْسَةُ دَرَاهِمَ وَمَا زَادَ فَعَلَى حِسَابِ ذَلِكَ " وَهَذَا نَصٌّ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرِو عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ فِي مَائَتَيْنِ خَمْسَةٌ وَمَا زَادَ فَبِحِسَابِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ مُسْتَفَادٌ مِنَ الْأَرْضِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ وَقْصٌ بَعْدَ وُجُوبِ زَكَاتِهِ كَالزُّرُوعِ، وَلِأَنَّهَا زِيَادَةٌ عَلَى نِصَابٍ فِي جِنْسِ مَالٍ لَا ضَرَرَ فِي تَبْعِيضِهِ فَوَجَبَ أَنْ تَجِبَ فِيهِ الزَّكَاةُ كَالْأَرْبَعِينَ، أَوْ كَالذَّهَبِ، وَلِأَنَّ الْوَقْصَ فِي الزَّكَاةِ وَقْصَانِ: وَقْصٌ فِي ابْتِدَاءِ الْمَالِ لِيَبْلُغَ حَدًّا يَحْتَمِلُ الْمُوَاسَاةَ، وهذا موجود في الورق، فاعتبر فيه وقص في أثناء المال، لأن لَا يَجِبَ كَسْرٌ يُسْتَضَرُّ بِإِيجَابِهِ فِيهِ، وَهَذَا مَعْدُومٌ فِي الْوَرِقِ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ، فَثَبَتَ أخذ الْوَقْصَيْنِ لِوُجُودِ مَعْنَاهُ، وَسَقَطَ الْوَقْصُ الثَّانِي لِفَقْدِ مَعْنَاهُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَهُوَ أَنْ يُقَالَ: نَحْنُ نَعْمَلُ بِمُوجَبِهِ وَهُوَ أَنَّ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا دِرْهَمًا، وَلَيْسَ فِيهِ أَنْ لَا شَيْءَ فِيمَا دُونَ الْأَرْبَعِينَ، فَإِنْ قِيلَ الْمَحْدُودُ عِنْدَكُمْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ مُخَالِفًا لِحُكْمِ مَا خَرَجَ عَنْهُ وما نقص عن الأربعين فأرج عما أخذ بالأربعين ووجب أن يكون حكمه مخالفاً له قبل ذلك قيل كذلك نقول إلا أنا نُوجِبُ فِي الْأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا كَامِلًا، وَلَا نُوجِبُ فِيمَا دُونَهَا دِرْهَمًا، وَإِنَّمَا نُوجِبُ بَعْضَ دِرْهَمٍ، وَبِهَذَا يُجَابُ عَنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فِي قَوْلِهِ وَلَا شَيْءَ فِي زِيَادَتِهَا حَتَّى تَبْلُغَ أَرْبَعِينَ، أي: لا شَيْءَ فِيهَا كَامِلٌ هَذَا إِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ مِنْ قَدْحٍ فِيهِ وَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ رِوَايَةُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ الْجَرَّاحِ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عُبَادَةَ، وَالْمِنْهَالُ بْنُ الْجَرَّاحِ هُوَ أَبُو الْعَطُوفِ الجراح بن المنهال، وإنما قلت محمد بن إسحاق باسمه لِضَعْفِهِ وَاشْتِهَارِهِ بِوَضْعِ الْحَدِيثِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ عُبَادَةَ لَمْ يَلْقَ مُعَاذًا فَكَانَ الْحَدِيثُ مُنْقَطِعًا، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْمَوَاشِي فَالْمَعْنَى فِيهَا أَنَّ فِي تَبْعِيضِهَا ضَرَرًا، فَلِذَلِكَ ثَبَتَ فِي انْتِهَائِهَا وَقْصٌ، والورق ليس في تبعيضها ضرر فذلك لَمْ يَثْبُتْ فِي أَثْنَائِهَا وَقْصٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ زَكَاةِ الْغَنَمِ، وَذَكَرْنَا أَنَّهُ إِنِ ارْتَدَّ بَعْدَ الْحَوْلِ فَالزَّكَاةُ لَا تَسْقُطُ، وَإِنِ ارْتَدَّ قَبْلَ الْحَوْلِ وَقُتِلَ أَوْ مَاتَ فَالزَّكَاةُ لَمْ تَجِبْ، وَإِنْ بَقِيَ عَلَى رِدَّتِهِ حَتْي حَالَ الْحَوْلُ عَلَى مَالِهِ فَفِيهِ قَوْلَانِ مَنْصُوصَانِ، وَقَوْلٌ ثَالِثُ مُخْتَلَفٌ فِي تَخْرِيجِهِ.