وفي غزوة الأحزاب، ومع شدة البلاء، واجتماع المشركين على المؤمنين من كل جانب، وتضييق الخناق عليهم، تذكر هؤلاء ما أخبر به الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم عما سيلاقونه من متاعب وهم في طريقهم لإقامة الدولة الإسلامية العالمية، فزادهم ذلك إيمانًا وتسليمًا لله عز وجل وصبرًا واحتسابًا لما عنده {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (الأحزاب:22).

تاسعًا: الاعتدال والتوازن

من أهم سمات هذا الجيل أنه جيل معتدل ومتوازن في أموره كلها ...

في عباداته ومعاملاته، في فهمه وحركته .. يُعطي كل ذي حق حقه، لا يضخم صغيرًا، أو يصغر كبيرًا يضع كل شيء في مكانه الصحيح {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} (البقرة:269).

يوازن بين متطلبات إصلاح نفسه وبين متطلبات بيته ومجتمعه، ويعلم أن الدائرة الأَوْلى هي نفسه، ثم بيته ثم مجتمعه.

لا يتشدد فيما لا ينبغي التشدد فيه، ولا يكلف نفسه ما لا يطيق.

- عالم بزمانه:

جيل التمكين ليس جيلًا منعزلًا عن الناس، فلا تراه يعيش في خلوة بعيدًا عنهم، بل هو ابن بيئته، يعرف زمانه جيدًا، ويُحسن التعامل مع متغيرات الحياة، ووسائل العلم الحديث ... مثقف الفكر .. يعيش هموم أمته، ويعي جيدًا كيف يخطط أعداؤه.

يستخدم كل جديد لتبليغ دعوته، والوصول إلى هدفه.

- منشغل ببناء الحق:

الجيل الموعود كذلك ينشغل ببناء الحق، ويصب جهده في إعادة بناء الأمة وبث الروح فيها، هذه المهمة تستدعي منه عدم الانشغال كثيرًا بهدم الباطل .. فإن قلت: ولماذا لا ينشغل أيضًا بهدم الباطل؟!!

جاءك الجواب بأن الباطل وهو في عنفوانه له الكثير من الأعوان، ولو انشغل بهدمه لاستنُفذت قواه، ولضاع مجهودهُ سدى ... ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة في ذلك، فلقد كان صلى الله عليه وسلم يطوف حول الكعبة وحولها من الأصنام ما يبلغ ثلاثمائة وستين صنمًا، ومع ذلك لم يحاول هدمها، بل كان عمله صلى الله عليه وسلم مُنصبًا على بناء التوحيد في النفوس، وإقامة الدولة الإسلامية ليأتي بعد ذلك هدم الباطل بسهولة ويسر ... لقد انشغل صلى الله عليه وسلم ببناء الأمة، ويومًا بعد يوم ارتفع الصرح الإسلامي وتضاءل الباطل، حتى جاء اليوم الذي زهق فيه تمامًا، وأزيلت الأصنام من الجزيرة العربية كلها .. وهذا هو المطلوب: {وَقُلْ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ ? وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ ? وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} (هود:121 - 123).

- مع الجيل الأول:

إن قضية الفهم الصحيح للإسلام لمن الأهمية بمكان لجيل التمكين، فإن كان الإيمان هو الدافع الحقيقي للأعمال، فإن الفهم الصحيح هو الذي يمنع جنوح هذه الأعمال خارج أُطر الاستقامة .. ولقد تمثلت هذه الصفة جيدًا في جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - وظهرت مظاهرها في الكثير من أقوالهم وأفعالهم، ولعل من أقوى المظاهر تأخرهم في دفن رسولهم وحبيبهم صلى الله عليه وسلم حتى انتهوا من اختيار خليفة وإمام لهم، خشية أن يبيتوا ليلة بغير إمام، ولما في ذلك من مفسدة عظيمة للأمة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015