ولقد تحقق وعد الله وجرت سنته بشقيها على بني إسرائيل، فعندما حقق جيل من أجيالهم الشروط المؤهلة للدخول في المعية الإلهية كان العون والمدد والنصر منه سبحانه: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} (الأعراف:137).
هذا التمكين الإلهي إنما حدث لبني إسرائيل عندما حققوا ما طلبه الله منهم، فهل حافظوا عليه؟! يخبرنا القرآن بأنهم بعد ذلك بدأوا بالانحراف والابتعاد التدريجي عن الحال الذي أَهلَّهم للدخول في دائرة المعية والتفضيل الإلهي، وبدأ الكِبر والظلم، بل والشرك يظهر بينهم ... فأمهلهم الله عز وجل وتجاوز عنهم مرة ومرة لعلهم يعودون لسابق عهدهم، لكنهم تمادوا في غيهم، وأصروا على ظلمهم واستكبارهم فكان عقابهم الأليم من الله عز وجل: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} (آل عمران:112).
إذن فالدخول في دائرة التأييد الإلهي يستلزم شروطًا، والاستمرار في الوجود فيها يتطلب الثبات على هذه الشروط، فكرامة العباد عند ربهم بمقدار استقامتهم وتقواهم، واستمرار الكرامة باستمرار الاستقامة.
ألم يقل سبحانه لحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا وَاقٍ} (الرعد:37). إنه قانون سماوي {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} (الكهف:49).
مما سبق يتبين لنا أنه لابد من وجود جيل تتحقق فيه الصفات التي تؤهله للدخول في دائرة المعية والنصر والتأييد الإلهي .. نعم، قد تتوفر هذه الصفات في أفراد هنا أو هناك، ولكن هذا وحده لا يكفي، بل لابد من وجود جيل مترابط يتنزل عليه النصر والتمكين.
أما صفات جيل التمكين فلقد تحدث عنها القرآن في العديد من آياته، فعلينا أن نبحث عنها ونتأملها ونستخرج منه ما تدل عليه من صفات ....
وإليك أخي القارئ بعضًا من هذه الآيات:
1 - قال تعالى: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (النور:55).
في هذه الآية نجد أن الله عز وجل قد وعد طائفة من عباده المؤمنين بالاستخلاف والتمكين وربط هذا الوعد بعبادته وعدم الشرك به، أي أن من صفات الجيل الموعود: العبادة، والإخلاص التام لله عز وجل.