الفصل الثاني
مع صفات الجيل الموعود
أخبرنا الله عز وجل في كتابه بأن هناك صفات وشروطًا ينبغي أن تتوفر في الطائفة أو الجيل الذي سيمكنه سبحانه ويمده بمدده وتأييده، وينصره على أعدائه .. ولا يشترط لذلك مكان أو زمان بعينه، فالأمر متاح للجميع عبر الزمان والمكان، المطلوب فقط هو استيفاء الشروط المؤهِّلة للدخول في معية الله وكفايته ونصره.
وقبل أن ينتقل الحديث عن صفات الجيل الموعود، هناك أمر جدير بلفت الانتباه إليه وهو أن الكلام عن الجيل الموعود، وما يمكن أن يحققه الله له ليس كلامًا نظريًا افتراضيًا تُسَوَّد به الصفحات، وليس أماني أو أحلامًا نحلم بها، ونهرب من خلالها من واقعنا المر .. لا والله، بل هي حقائق يمكنها أن تحدث وبأسرع مما قد يتخليه البعض لو اجتهدنا جميعًا في استكمال الشروط المطلوبة، وانتفضنا لتحقيق صفات الجيل الموعود في أنفسنا وفيمن حولنا: {مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ} (الحج:15).
ويحكي لنا تاريخ أمتنا بأن هناك جيلًا من الأجيال قام بتحقيق تلك الشروط في نفسه فحقق الله وعده معه ... ذلكم هو جيل الصحابة - رضوان الله عليهم - والذين كانوا قبل إسلامهم غاية في الجاهلية والفرقة والتشرذم، ليأتي الإسلام، ويدخل نوره في قلوبهم، ويحدث التغيير الداخلي فتعاد صياغة شخصياتهم من جديد، ويحققون ما طلبه الله منهم، فيحدث الوفاء السريع والكريم منه سبحانه فيمكن لهم في الأرض، ليحطموا الإمبراطوريات الظالمة، وليصبحوا في سنوات قليلة القوة الأولى في العالم، وينقلوا البشرية إلى عهد جديد زاهر.
هذا الجيل كان قبل إسلامه أبعد بكثير عن الله مما نحن عليه الآن، ومع ذلك فإنه غيَّر ما بنفسه، واستوفى الشروط المؤهلة للنصر والتمكين ساد الأرض، وصنع المجد العظيم للإسلام.
إذن فالأمر الآن بين أيدينا .. لا نحتاج لإعدادات ضخمة، أو مساعدات خارجية، أو ..... ، بل نحتاج إلى أن نُغير ما بأنفسنا ليظهر من بيننا الجيل الموعود الذي يقود الأمة إلى العز والسيادة كما حدث مع الجيل الأول.
ولأن وعد الله لا يُخلف: فعندما حققت طائفة من البشر الصفات والشروط المؤهلة للنصر - مع قلة الأسباب المادية لديها - نصرها الله عز وجل، ومكنها في الأرض، وعندما بدأت الأجيال التالية لها في التنازل شيئًا فشيئًا عن تلك الصفات، كان الخذلان والخسارة، والعودة مرة أخرى إلى الوراء، ليعلو شأن الكفار من جديد ويصل الوضع إلى ما نحن فيه الآن من بؤس وضياع.
وما فتئ الزمان يدور حتى ... مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يُرى في الركب قومي ... وقدعاشوا أئمته سنينا