جما. فقام إليه عبد الله بن الكوَّاء فقال: يا أمير المؤمنين، ما) الذَارياتِ ذَرْواً والحاملاتِ وقْراً والجارياتِ يُسراً فالمقسِّمات أمراً (فقال: ويحك سَل تَفَقُّها ولا تسل تعنُّتا؛ الذاريات ذَرْواً: الرياح. والحاملات وقْراً: السحاب. والجاريات يُسراً: السفن. والمقسِّمات أمراً: الملائكة.

وقام إليه ابن الكوَّاء يوما آخر، وهو يخطب فقال: ما السواد الذي في القمر؟ فقال له: قاتلك الله، سَل تفققُها ولا تَسل تعنُّتا، ألا سألت عن شيء ينفعك في أمر دنياك وآخرتك؟ ثم قال: مَحْوُ الليل.

ودخل ضرار بن ضّمْرة الصُّدائيُّ، وكان من أصحاب ألوية عليٍّ بصفين على معاوية بعد وفاة علي: فقال له: يا ضِرار صف لي عليا فقال: اعفني يا أمير المؤمنين قال: لتَصفنَّه. قال: أما إذا لا بدَّ من وصفه فكان والله بعيد المدى، شديد القُوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجَّر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدُّنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل ووحشته. وكان غزير العَبرة، طويل الفكرة، يقلِّب كفَّه، ويخاطب نفسه، يُعجبه من اللِّباس ما قَصُر، ومن الطعام ما خشُن. وكان فينا كأحدِنا؛ يُجيبُنا إذا سألناه، ويُنبئنا إذا استنبأناه ونحن والله مع تقريبه إيانا، وقربه منا لا نكاد نكلمه لهيبته، ولا نبتديه لعظمته، يُعظِّم فينا أهل الدين، ويُقرِّب المساكين. لا يطمع القويُّ في باطله، ولا ييأس الضَّعيف من عدله. وأشهد لقد رأيته في بعض مواقفه، وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، قابضا على لحيته يَتَململُ تَمَلمُلَ السليم، ويبكي بُكاء الحزين، ويقول: يا دُنيا غُرِّي غيري إليَّ تعرَّضت أم إليَّ تشوَّفتِ. هيهات بتتك ثلاثا لا رجعة فيها؛ فعمرك قصير، وخطرك قليل حقير: آه من قلَّة الزاد وبعد السَّفر، ووحشة الطريق.

فبكى معاوية وقال: رحم الله أبا الحسن، كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضِرار؟ قال: حُزن من ذُبح واحدُها،.... فهي ... لا تَرقى لها دمعة، ولا تنقضي لها حسرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015