قلت: كان ذلك يوم أجنادين، وكان نداء أبي هريرة في قومه الأزد ومنهم دوس، ويوم أجنادين كان يوما مشهودا، لم تثبت فيه القبائل ثبات الأزد، وثبتت الأزد وقاتلت قتالا لم يقاتل مثله أحد من تلك القبائل، وقتل منهم مقتلة لم يقتل مثلها من قبيلة من القبائل، وقتل يومئذ عمرو بن الطفيل، ذو النور، وهو يقول: "يا معشر الأزد، لا يؤتين المسلمون من قبلكم"، وقاتل قتالا شديدا، قتل من أشدائهم تسعة، ثم قتل هو، يرحمه الله.
وقال جندب بن عمرو بن حممة ورفع رايته: "يا معشر الأزد، إنه لا يبقى منكم ولا ينجو من الإثم والعار إلا من قاتل، ألا وإن المقتول شهيد، والخائب من هرب اليوم"، وقاتل حتى قتل رحمه الله، ونادى أبو هريرة: "يا مبرور يا مبرور، فأطافت به الأزد"، قال عبد الله بن سراقة: "انتهيت إلى أبى هريرة يومئذ، وهو يقول: تزينوا للحور العين وارغبوا فى جوار ربكم، فى جنات النعيم، فما أنتم فى موطن من مواطن الخير أحب فيه منكم فى هذا الموطن، ألا وإن للصابرين فضلهم"، فأطافت به الأزد، ثم اضطربوا هم والروم، فو الذى لا إله إلا هو لرأيتهم وإنها لتدور بهم الأرض وهم فى مجال واحد كما تدور الرحاء، وما برحوا، ـــ يعنى المسلمين ـــ ولا زالوا وركبهم من الروم أمثال الجبال ولا زالوا، فما رأيت موطنا قط أكثر قحفا ساقطا ومعصما نادرا وكفا طائحة من ذلك الموطن، وقد والله أوحلناهم شرا (?).
كان أبو هريرة رب أسرة فزوجته بنت غزوان، لم أقف على اسمها، كان أجيرا لها ثم تزوجها، وله ولدان: محرر، ترجمته (186) وبلال، ترجمته (38) وحفيدان: محرر بن بلال بن أبي هريرة، ترجمته (187) ومسلم بن محرر بن أبي هريرة، ذكر مسلم هذا في الرواة عن أبيه، ولأبي هريرة بنت قالت: "يا أبتِ، إن البنات يعيرنني؛ يقلن: لم لا يحليك أبوك بالذهب؟ " فقال: "يا بنية، قولي لهن: إن أبي يخشى علي حر اللهب" (?).