قلت: وكان ذلك بعد سنة ثمانين وخمسمائة ظنًّا، فإن انتزاع صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه اللَّه لبيت المقدس -شرفه اللَّه- من أيدي الفرنج، في رجب سنة ثلاث وثمانين بعد أن أقام بأيديهم نيفًا وتسعين سنة. ثم مات في صفر سنة تسع وثمانين.
ثم رأيت في سيرة صلاح الدين ذكر أنه نازلها في يوم الأحد سادس عشر جمادى الآخرة سنة ثلاث وثمانين، فأقام عليها المنجنيقات، وقاتلها قتالًا شديدًا، وتسلَّمها في يوم السبت سلخه.
قال: وكان بين فتحها وأخذ الفرنج لها مِنَ المسلمين خمسة وثلاثون سنة، فإن العدو ملكها في سابع عشري جمادى الآخرة سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، ولما فتحها صلاح الدين رأى المصلحة في خرابها، لعجز المسلمين عن حفظها عن الفرنج، فاستحضر الوالي بها قيصر، وهو من كبار مماليكه وذوي الآراء منهم، فأمره أن يضع فيها المعاول، وذلك في سَحَر ليلة الخميس تاسع عشر شعبان سنة سبع وثمانين وخمسمائة، وحزن الناس على مفارقة أوطانهم، وخسارة أموالهم، لا سيما وهو بلد نضِرٌ خفيفٌ على القلب، مُحكمُ الأسوار، عظيم البناء، مرغوبٌ في سكنه، فلله الأمر.
وأما مولده: فهو في الثاني والعشرين من شعبان سنة ثلاث وسبعين وسبعمائة على شاطىء النيل بمصر. والمنزل الذي ولد فيه بمصر معروف، استمر في ملك شيخنا، ثم بيع بعده، وهو بالقرب من دار النحاس والجامع الجديد. وانتقل منها إلى القاهرة قُبيل القرن حين تزوُّجه بأمِّ أولاده، فسكن بقاعة منكوتمر جد أبي أُمِّها المجاورة لمدرسته داخل باب القنطرة بالقرب من حارة بهاء الدين، واستمر بها حتى مات.
وأما بشارة والده به: فقرأت بخط صاحب الترجمة -رحمه اللَّه تعالى- في ترجمة الشيخ يحيى الصنافيري من كتابه "الدرر"، قال: كان لي أخ من