الأستادار أخذَ صِنْفٍ مِنَ القماش كان قد كسدَ عند صاحِب التَّرجمة، وأن يُنْظِرَني في ثمنه إلى وقتِ كذا. قال: ففعلت ذلك مع شدَّة كراهيتي فيه، لكنه لم يسعني المخالفة، فلما استقرَّ القماشُ عندي، وكان مِنْ شعار الحريم السُّلطاني وشِبْهِهنَّ في الأفراح ونحوها، طرأ لهن ما يقتضي طلبه، فما مضت أيامٌ قلائلُ حتَّى بِعْتُ ذلك القماشَ قبلَ حُلول الأجلِ بأكرم ربح، فعَدَدتُ ذلك مِنْ بركته.
وكانت -كما بلغني- وظائِفُه التي يباشرها يتحرَّى منها ما كان أقرب إلى الحِلِّ مع مُرَتَّبه في الجوالي، وهو في كلِّ يوم مائةُ درهم، بل زيد في بعض عزلاته الأخيرة، وصار دينارًا أو مثقالًا، فيبدأ بالأكل منه، وكذا التَّصَدُّق، ثم يليه اللُّبس، ثم كذا، إلى آخر ضَرْوراته، ويميِّزُ المعاليمَ بعضها مِنْ بعضٍ بالإشارة بنُقْطةٍ أو نقطتين ونحو ذلك.
وقد رأيتُه يُعطي خادِمَه الشيخ شمس الدين بن قُريش ما يشتري له به شيئًا مِنَ المأكول، ويُوصيه أن لا يكلِّفَ البائعَ لأكثرَ ممَّا يعطيه باختياره، وقس على ذلك في أموره كلِّها، لا سيِّما نقل العِلْمِ وروايته، فكان غايةً في التَّحريِّ في ذلك، يدلُّك على هذا أن النجم المُرجاني ذكر له أنَّ الجمالَ إبراهيم بن محمد الأميوطي كان حاضرًا ختم "الصحيح" عند النشاوري، إذ قُرِىءَ عليه، وأنه أجازَ للحاضرين. قال: فلم تَطِبْ نفسي مِنْ أجل الشَّكِّ في حضوري يومَ الخَتْمِ الذي حذر فيه الأميوطي أن أُخرِّج عنه، وإن غلب على الظَّنِّ حُصول الإجازة لي منه.
ومن ذلك أنَّ الشيخ مدْين، رحمه اللَّه حضر عندَ شيخِنا في خِتان حفيده، فسأله عن حديث "حسِّنوا نوافلكم، فإنَّ بها تكمُل فرائِضَكم"، فقال شيخنا: لا أستحضره، فقال له الشَّيخُ: إنَّه لد عزاه الفاكهاني لابن عبد البر في بعض تصانيفه، فقال شيخنا: يمكن، ولكن لا أعرفه الآن.
قلت: وللدَّيلمي في حديث عبد اللَّه بن يرفا اللَّيثي عن أبيه، عن جده، رفعه: "النَّافلة هديَّةُ المؤمن إلى ربِّه، فليُحسِن أحدُكم هديَّته وليطيِّبْهَا".