[وصية الذهبي للمحدثين]

وللَّه در الحافظ أبي (?) عبد اللَّه الذهبي حيث قال فيما قرأته بخطه في حقِّ هؤلاء، وإن بالغ، لكنه واللَّه معذور-: المحدثون، فغالبهم لا يفقهون ولا هِمَّةَ لهم في معرفة الحديث ولا في التديُّن به، بل الصحيح والموضوع عندهم نسبةٌ، إنما همَّتُهم في السماع على جَهَلة الشيوخ، وتكثير العدد من الأجزاء والرواة، لا يتأدبون بآداب الحديث، ولا يستفيقون مِنْ سكرة السماع، الآن يَسمَعُ الجزء ونفسه تُحدّثه متى يرويه، أبعْدَ خمسين سنة؟ ويحك! ما أطول أملك! وما أسوأ عملك، معذورٌ سفيان الثوري إذ يقول فيما رواه أحمد بن يوسف التغلبي: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حمّاد بن زيد، قال: قال سفيان الثوريُّ: لو كان الحديث خيرًا، لذهب كما ذهب الخير. صدق واللَّه، وأيُّ خيرٍ في حديث مخلوط صحيحه بواهيه، وأنت لا تَفْليه ولا تبحث عن ناقليه، ولا تدينُ اللَّه به. أمَّا اليوم في زماننا، فما يفيد المحدّثَ الطلبُ والسماعُ مقصود الحديث أبدًا من التدين به، بل فائدة السماع ليُروى، فهذا واللَّه لغير اللَّه.

خطابي معك يا محدِّث، لا مع مَنْ يسمع ولا يعقل، ولا يحافظ على الصلاة، ولا يجتنب الفواحش، ولا قَرْشَ الحشائش، ولا يُحسِن أن يَصْدُقَ: فيا هذا، لا تكن مُجرمًا مثلي، فإنا نَحْسٌ أبغضُ المناحيس، فطالب الحديث اليوم ينبغي له أن ينسخ أولًا "الجمع بين الصحيحين"، و"أحكام عبد الحق"، و"الضياء"، ويُدمن النظر فيهم، ويكثر من تحصيل تواليف البيهقي، فإنها نافعة، ولا أقل من تحصيل مختصرٍ (?) "كالإلمام"، ودرسه. فأيش السماع على جَهَلَةِ الشيوخ الذين ينامون والصبيانُ يلعبون، والشبيبةُ يتحدثون، ويمزحون، وكثيرٌ منهم ينعسون ويكابرون، والقارىء يُصَحّف، وإتقانه في تكثير (?) -أو كما قال- والرضع يتضاغون. باللَّه خلُّونا، فقد بقينا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015