ثمَّ، ما المراد بطرق الحديث؟ فقال في "الذخائر": هو معرفة ما تضمنته الأحاديثُ مِنَ الأحكام مع معرفة رواته، وهذا مخالف لاصطلاحهم، فإنهم إنما يريدون بالطرق تعدادَ الأسانيد والوجوه للحديث الواحد.
وقال صاحب "الوافي": المراد بطرقه: معرفة (?) الصحيح والضعيف والغريب، ومعرفة أسماء الرجال، وعدالتهم وجرحهم، وتعرُّف معانيه، فيكون حينئذٍ عالمًا، وألا يكون كقارىء القرآن، وليس ذلك بعلم، بل هو نقل، والى آخر كلامه يُرشد قول الماوردي في الوقف: إنه لا يُصْرَفُ للقراء، وأصحاب الحديث، لأن العلم ما تُصرِّفَ في معانيه دون ما كان محفوظًا للتلاوة.
وعليه يُحمل ما رويناه عن الحافظ السِّلفي، قال: استفتيت شيخنا الإمام أبا الحسن الطبري -عرف بالكِيَا- عن رجل وصَّى بثلث ماله للعلماء والفقهاء، هل تدخل كتبة الحديث تحت هذه الوصية؟ فقال: نعم كيف لا، وقد قال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "مَنْ حفظ على أُمتي أربعين حديثًا من أمر دينها بعثه اللَّه يوم القيامة فقيهًا عالمًا"؟.
قلت: ويُروى عن مالك: أن المقتصر على السماع لا يُؤخذ عنه العلم، وعبارته فيما نقله القاضي عبد الوهاب في "الملخص" نقلًا عن عيسى بن أبان عنه: لا يؤخذ العلم عن أربعة، فذكرهم، وقال: ولا عن مَنْ لا يعرِفُ هذا الشأن، وفسّر القاضي مراده بما إذا لم يكن ممن يعرف الرجال مِنَ الرواة، ولا يعرف هل زِيدَ في الحديث شيءٌ أو نُقص، لكن العمل على خلاف هذا، والاعتماد في هذه الأعصار -غالبًا- على القارىء، ولذلك أقول بامتناع قراءة كثيرٍ مِنَ الطلبة الذين لا ممارسة لهم بالمتون ولا الأسانيد، بل ولا معرفة لهم بشيء -في الجملة- أصلًا على من لا تمييزَ عنده مِنَ المُسنِدين، ولا أقلَّ من أن يصحح حديثه أولًا.