وفي تاريخه وقعت بين القاضيين الهروي الشافعي والدَّيري الحنفي مباحثةٌ، كان الحقُّ فيها مع الحنفي، وجحد الهرويُّ مقالته، فسأل السلطانُ مِنْ صاحب الترجمة ومِن القاضي المالكي عن حقيقة ذلك، فأخبراه بصدق ابن الديري.
بل ولَّى المؤيدُ صاحب الترجمة في تاريخه -كما سلف- الحكمَ بين الهروي وأخصامه الخليليين والمقادسة، فتوجَّه الحكمُ على الهروي، وخرج في التَّرسيم.
وكذا كان غير المؤيَّد كالظاهر ططر، يُسِرُّ إليه -وثوقًا به- دقائق أمره، فحكى له قبل أن يتسلطن أنه في آخر الدَّولة المؤيدية في الليلة التي مات صبيحتها المؤيَّدُ، ضاقت يدُه لكثرة مصروفه وقلَّة متحصّله، حتى إنَّ شخصًا قدَّم له مأكولًا، فأراد مكافأته عليه، فلم يجد في حاصله خمسةَ دنانير، حتى أرسل يقترضها مِنْ بعض خواصِّه، فكلُّهم -إلَّا واحدًا- يحلِفُ أنَّه لا يقدِرُ عليها، ثمَّ لم يكن بين ذلك وبين أن استولى على المملكة بأسرها، وعلى جميع ما في الخِزانة السُّلطانية التي جمعها المؤيَّدُ سوى أيَّام، وأمر ططر صاحب الترجمة بكتابة هذه الواقعة، فإنها أُعجوبة.
وكان -رحمه اللَّه- عُيِّن لدرس الحديث بالمؤيدية أوَّل ما فُتحت، ثمَّ بطل ذلك، وقرر فيه البدر العيني، واستقرَّ هو مدرس الشافعية بها كما تقدَّم.
وعرض عليه في أيَّام الأشرف برسباي بعد ولايته قضاء الديار المصرية وظيفة كتابة السِّرِّ، ملتزمين له الإذنَ بالجلوس، فأباها وتعلَّل عليهم بضياع زمنه في معرفة المصطلح.
ونحو ذلك مِمَّا لم يقله إلَّا طردًا، إذ كان لا يخفاه ذلك رحمه اللَّه وإيانا.