رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، الشيخ شهاب الدين ابن حجر، نفعنا اللَّه ببركته وبركة علومه في الدُّنيا والآخرة. انتهى.

وكان في آخر عمره -حين كثر في مجلسه حضور مَنْ لا يُحسِن ولا يَضْبطُ- شديد الحرص على أن يجعل في كلِّ جهة بعض نُبَهاء جماعته ليختبر كتابتهم (?)، ويلاحظهم فيما يقع لهم مِنْ تحريف ونحوه، فما تيسَّر له ذلك، ويقع فيه مِنَ الأبحاث والفوائد المهمَّة، والنكت النَّفيسة ما يفوقُ الوصفَ، وعليه مِنَ الوقار والهيبة والخَفَر والجلالة ما لا أراه في غيره من مجالس العُلماء.

والذي أعتقده: أن به كان يدفعُ اللَّه عَنْ هذه الأمة كثيرًا مِنَ البلاء والآفات، فيا سعدَ مَنْ كان مِنْ ملازميه، ويا ندامة مَنْ هو قاليه. ولعمري، إنَّ انقطاعه كان افتتاحًا للأنكاد، ومنعًا من المسرَّات لخيار العباد، ومقدمة الوباء، وارتفاع أسعارِ الأقوات، وتذكُّرًا لقوله تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ} [البقرة: 155]، لأن (?) فُشُوَّ الموت بالطاعون قد أعقبه، وكذا غلوُّ الأسعر الذي كان توقَّفُ النيل في سنة أربع وخمسين وثمانمائة قد أوجبه، حتَّى صار الغنيُّ فقيرًا، والفقير لِمَا حَلَّ به كسيرًا، وخرج النَّاس إلى الصَّحراء أفواجًا، وأكثروا (?) التجاءً لخالقهم وارتجاجًا، إلى أن عمَّ فضلُ اللَّه الخلائقَ عندما التجؤوا إليه، وقطعوا دونه العلائق، فاللَّه يحسن عزاء المسلمين في هذه النَّازلة، ويَمُنُّ على صاحب الترجمة بالرَّحمة المتواصلة، بمنه وكرمه.

قلت: ولمَّا انقطع الإملاء بالدِّيار المصرية، يسَّر اللَّه -وللَّه الحمد- بإملاء تسعة وخمسين مجلسًا، تقيَّدت (?) فيها بالأزمنة والوقائع، ووقع السَّفر إلى مكة المشرفة، فأمليتُ بها في الكلام على "حديث تنزُّل الرّحمات على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015