يَتنَفَّس الصُّعداء تَترى، وأجفانٍ قريحة، وعيون بالدَّمع غير شحيحة، لما دهم مِنْ هذا الخطبِ المدْلَهِمِّ، والحادث المُلِمِّ، مِنَ انتقال سيِّدنا وشيخنا، وشيخ الإسلام، خاتمة الحُفَّاظ، قاضي القضاة، شهاب الدين، إلى جوار ربِّ العالمين، نَوَّرَ اللَّه ضريحه، وجعل مِنْ الرَّحيق المختوم غَبُوقَه وصَبُوحهُ، آمين.

فلقد أوقرَ الأسماعَ، وأبكى النَّواظر، وأحزن القلوب والخواطر، وجدَّد الأحزان، وأوهن الأبدان، وأذكر قولَ مَنْ قال مِنْ فُحول الرِّجال.

كَأَنْ لَمْ يَمُت حيٌّ سِواهُ وَلَمْ تَقُمُ ... على أحدٍ إِلَّا عَلَيْهِ النَّوائِحُ

واللَّه المستعان، وصبر جميل على مُصاب المسلمين، يا لَهُ مِنْ خطبٍ جليلٍ، فإِنَّا للَّه وإِنَّا إليه راجعون، ولا شكَّ أنَّا جميعًا إليه صائرون، وللَّه ما أخذَ وله ما أعطى، وكل شيءٍ عنده بأجلٍ مسمَّى، وفي اللَّه خَلَفٌ مِنْ كلِّ فائت وعوضٌ مِنْ كلِّ هالك، فباللَّه نَشِقُوا، وإِيَّاه فارجُوا، فإنَّ المُصابَ مَنْ حُرِمَ الثَّوابِ، وعَزِّ نَفْسَك بما تُعَزِّي به غيرك، واستقبِح مِنْ فعلِك ما تستقبِحُه مِنْ فِعلِ غيرك، واعلم أنَّ أمَضَّ المُصَابِ فَقدُ سُرورٍ مَعْ حرمانِ أجرٍ فكيف إذا اجتمعا على اكتسابِ وِزرٍ، واللَّه يُحسِنُ للمخْدُوم العزاء، ويلهِمُه الصَّبر، ويضاعِفُ له الجزاءَ، ويثلج صدره ببرْدِ الرِّضا فيما قدَّر وقضى.

إنِّي مُعَزِّيك لا أنِّي على طَمَعٍ ... مِنَ الخلُودِ ولكِنْ سُنَّةُ الدِّينِ

فما المعزِّي بِباقٍ بَعْدَ صاحِبِهِ ... ولا المُعَزَّى وَلَوْ عاشَ إلى حينِ

غيره:

تَعَزَّ بِحُسنِ الصَّبْرِ عَنْ كُلِّ فائِتٍ ... ففي الصَّبرِ مَسْلَاةُ الهُمُومِ اللَّوزِمِ

وليس يذودُ النَّفْسَ عَنْ شَهَواتِهَا ... لعَمْرُكَ إلَّا كُلُّ ماضي العَزَائِمِ

العلومُ الكريمة محيطةٌ أْنَّ سهام الأقدار جاريةٌ، والدنيا كلُّها فانية، والناس زَرْعُ الموتِ، وعما قليل يُدركهم الفوت، وليتأسَّ المخدومُ في ذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015