وفي ظني أنَّه إنَّما تركه لعدم ورُود السُّنَّة به، بل في حديث ضعيف أورده الطبراني في ترجمة عبد الوارث مِنْ "الأوسط" عن أبي ذرٍّ، رفعه: "إذا اقترب الزَّمان، كثُر لُبْسُ الطَّيالِسَةِ". وفي "البخاري" (?) عن أبي عمران -هو الجَوْني- قال: نظر أنسٌ رضي اللَّه عنه إلى النَّاس يومَ الجمعة، فرأى طيالِسَةً، فقال: كأنَّهم السَّاعة يهود خيبر، وفي لفظ لابن خُزيمة: أنَّ أنسًا رضي اللَّه عنه قال: ما شبَّهتُ الناس اليوم في المسجد وكثرَةِ الطَّيالِسَة إلا بيهود خيبر.

وهذا ظاهرٌ أن يهود خيبر كانوا يكثرون مِنْ لُبْسِ الطيالسة، وأنَّ غيرهم مِنَ النَّاس الذين شاهدهم أنسٌ رضي اللَّه عنه كانوا لا يُكثرون منها، فلما قدِمَ البصرة ورآهم يُكثرون مِنْ لُبسها، شبَّههم بيهود خيبر، لكن هذا لا يلزَم منه كراهيةُ لبسِ الطَّيالسة. على أنَّه قيل: المراد بالطَّيالسة: الأكسيةُ، وقيل: إنَّما أنكر اصفرار لونِها (?).

وصحَّ مِنْ طريق إسحاق بن عبد اللَّه بن أبي طلحة عن أنس بن مالك رضي اللَّه عنه، عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال: "يتبعُ الدَّجَّال مِنْ يهودِ أصبهان سبعُون ألفًا عليهم الطَّيالسة" (?). وهو عند الطبراني في "الأوسط" مِنْ حديث ربيعة عن أنس بلفظ "عليهم السِّيجان"، وهو جمع ساجٍ، وهو الطَّيلسان.

قال ابن الحاج في "المدخل": فيكون ذلك تشبُّهًا بهم، وعن بعضهم أنَّه ريبةٌ بالليل ومذلَّةٌ بالنهار.

وقال بعضُ العلماء: إنه لا بأس بالطَّيلسان لمن يخرُج مِنْ حمَّام أو مَنْ يعرَقُ في بيتٍ أو خَلْوةٍ ثمَّ يُريدُ الخروج، ويخاف على نفسه مِنْ ضرر الهواء. وكأنه أخذه مِنْ قول مالك: إنَّه لا بأس بالتَّقنُّع مِنْ حرٍّ أو بردٍ.

قلت: وقد حكى ابن عبدِ البرِّ أنَّ أوَّل مَنْ لبِس الطَّيلسان بالمدينة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015