ذلك أحد من أعدائه مع كثرة كذبهم وبهتانهم، ومع هذا أتى بالعلم الذي في الكتب الأولى، كما قال تعالى: {وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 1.

الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك

وقال -رحمه الله تعالى-: ولما بلغ أربعين سنة، بعثه الله بشيرا ونذيرا {وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُنِيراً} 2 ولما أتى قومه بلا إله إلا الله قالت قريش: {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً} 3. قال الترمذي: حدثني محمد بن صالح عن عاصم بن عمر بن قتادة وزيد بن مروان وغيرهم قالوا: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين مُسْتَخْفِيًا، ثم أعلن في الرابعة، فدعا عشر سنين يوافي الموسم كل عام فيقول: "أيها الناس، قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، وتملكوا بها العرب، وتدين لكم بها العجم، فإذا متم كنتم ملوكا في الجنة" 4. وأبو لهب وراءه يقول: لا تطيعوه فإنه صابئٌ كذابٌ، فيردون عليه أقبح الرد.

ولما أمره الله بالهجرة، هاجر وأظهر الله دينه على الدين كله، وقاتل جميع المشركين؛ ولم يميز بين مَن اعتقد في نبي ولا ولي ولا شجر ولا حجر، وما زال يعلم الناس التوحيد، ويقمع من دعاة الشرك كل شيطان مريد، حتى أزال الله الجهل والجهال، وبان للناس من التوحيد ساطعُ الجمالِ.

وعن أنس قال: قال أناس: يا رسول الله، يا خيرنا وابن خيرنا، وسيدنا وابن سيدنا. فقال صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس أنا محمدٌ عبدُ الله ورسوله، ما أحب أن ترفعوني فوق منْزلتي التي أنزلني الله عز وجل" 5.

وعن عبد الله بن الشخير قال: انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: أنت سيدنا. فقال: "السيد الله" 6. وعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تُطْرُونِي كما أَطْرَتْ النصارى المسيحَ ابن مريم؛ إنما أنا عبد الله ورسوله" 7. وما زال صلى الله عليه وسلم مُعَلِّمًا لأصحابه هذا التوحيد، َومُحَذِّرًا من الشرك، حتى أتاهم مرة وهم يتذاكرون الدجال فقال: "ألا أخبركم بما هو أخوف

طور بواسطة نورين ميديا © 2015