عمه أنه رسول الله، ونصحه أن يرده، فرده مع بعض غلمانه، وقال لعمه: احتفظ به فلم نجد قدما أشبه بالقدم الذي بالمقام1 من قدمه. واستمرت كفالة أبي طالب له كما هو مشهور، وَبُغِّضَ إليه الأوثان ودين قومه فلم يكن شيء أبغض إليه من ذلك.

والدليل على أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقل والنقل: فأما النقل فواضح.

وأما العقل فنبه عليه القرآن: من ذلك: أن ترك الله خلقَه بلا أمر ولا نهي لا يناسب في حق الله، ونَبَّهَ عليه في قوله: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ} 2 ومنه أن قول الرجل: إني رسول الله؛ إما أن يكون خير الناس وإما أن يكون شرهم وأكذبهم.

والتمييز بين ذلك سهل يعرف بأمور كثيرة، ونبه على ذلك بقوله: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} 3 الآيات. ومنه شهادة الله بقوله: {قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 4. ومنها شهادة أهل الكتاب بما في كتبهم كما في هذه الآية.

ومنها - وهي أعظم الآيات العقلية-: هذا القرآن الذي تحداهم بسورة من مثله، ونحن إن لم نعلم وجه ذلك من جهة العربية فنحن نعلمه من معرفتنا بشدة عداوة أهل الأرض له، علمائهم وفصحائهم، وتكريره هذا واستعجازهم به، ولم يتعرضوا لذلك على شدة حرصهم على تكذيبه، وإدخال الشبهة على الناس.

ومنها: تمام ما ذكرنا، وهو إخباره سبحانه- أنه لا يقدر أحد أن يأتي بسورة مثله إلى يوم القيامة، فكان كما ذكر، مع كثرة أعدائه في كل عصر، وما أُعْطُوا من الفصاحة والكمال والعلوم.

ومنها: نصرُهُ مَنْ اتَّبَعَهُ، ولو كانوا أضعف الناس.

ومنها: خذلان من عاداه وعقوبته في الدنيا، ولو كانوا أكثر الناس وأقواهم.

ومنها: أنه رجل أمي لا يخط ولا يقرأ الخط، ولا أخذ عن العلماء، ولا ادعى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015