لَهُمْ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّا إِنَّمَا نَمْتَنِعُ مِنْ تَسَمِّيهِ جَوْهَرًا؛ لِأَنَّ الْجَوْهَرَ مَا قَبِلَ عَرَضًا وَمَا شَغَلَ الْحَيِّزَ وَلِهَذَا مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ الْقَوْلُ بِأَنَّهُ - تَعَالَى - جَوْهَرٌ. قَالُوا: إِنَّ الَّذِي يَقْبَلُ عَرَضًا وَيَشْغَلُ حَيِّزًا هُوَ الْجَوْهَرُ الْكَثِيفُ، فَأَمَّا الْجَوْهَرُ اللَّطِيفُ فَمَا يَقْبَلُ عَرَضًا وَلَا يَشْغَلُ حَيِّزًا؛ مِثْلَ جَوْهَرِ النَّفْسِ، وَجَوْهَرِ الْعَقْلِ، وَجَوْهَرِ الضَّوْءِ، وَمَا يَجْرِي هَذَا الْمَجْرَى مِنَ الْجَوَاهِرِ اللَّطِيفَةِ الْمَخْلُوقَةِ.
فَإِذَا كَانَتِ الْجَوَاهِرُ اللَّطِيفَةُ الْمَخْلُوقَةُ لَا تَقْبَلُ عَرَضًا، وَلَا تَشْغَلُ حَيِّزًا فَيَكُونُ خَالِقُ الْجَوَاهِرِ اللَّطَائِفِ وَالْكَثَائِفِ، وَمُرَكِّبُ اللَّطَائِفِ بِالْكَثَائِفِ يَقْبَلُ عَرَضًا وَيَشْغَلُ حَيِّزًا؟ كَلَّا.
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدهَا: أَنْ يُقَالَ: أَمَّا تَسْمِيَةُ الْبَارِي جَوْهَرًا. فَهُوَ مِنْ أَهْوَنِ مَا يُنْكَرُ عَلَى النَّصَارَى؛ وَلِهَذَا كَانَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُنْكِرُهُ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ - فَقَطْ - أَوِ اللُّغَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُنْكِرُهُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ أَيْضًا، وَمِنْهُمْ مَنْ يَرَاهُ نِزَاعًا لَفْظِيًّا. وَطَائِفَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُسَمُّونَهُ جَوْهَرًا وَجِسْمًا أَيْضًا. وَذَلِكَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - عَلَى طَرِيقَتَيْنِ، فَكَثِيرٌ مِنْهُمْ يَقُولُ: إِنَّ أَسْمَاءَهُ سَمْعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ، فَلَا يُسَمَّى إِلَّا بِالْأَسْمَاءِ الَّتِي جَاءَتْ بِهَا الشَّرِيعَةُ، فَإِنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ، وَالْعِبَادَاتُ مَبْنَاهَا عَلَى التَّوْقِيفِ وَالِاتِّبَاعِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: مَا صَحَّ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ، وَكَانَ مَعْنَاهُ ثَابِتًا لَهُ،