فِي الْوُجُودِ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ؛ لِأَنَّ أَيَّ أَمْرٍ نَظَرْنَاهُ وَجَدْنَاهُ إِمَّا قَائِمًا بِنَفْسِهِ غَيْرَ مُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهُوَ الْجَوْهَرُ، وَإِمَّا مُفْتَقِرٌ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ لَا قِوَامَ لَهُ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ الْعَرَضُ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ لِهَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ قِسْمٌ ثَالِثٌ. فَأَشْرَفُ هَذَيْنِ الْقِسْمَيْنِ الْقَائِمُ بِذَاتِهِ الْغَيْرُ مُفْتَقِرٍ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ. وَهُوَ الْجَوْهَرُ.
وَلَمَّا كَانَ الْبَارِي - تَقَدَّسَتْ أَسْمَاؤُهُ - أَشْرَفَ الْمَوْجُودَاتِ؛ إِذْ هُوَ سَبَبُ سَائِرِهَا، أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ أَشْرَفَ الْأُمُورِ وَأَعْلَاهَا الْجَوْهَرُ؛ وَلِهَذَا قُلْنَا إِنَّهُ جَوْهَرٌ لَا كَالْجَوَاهِرِ الْمَخْلُوقَةِ، كَمَا نَقُولُ إِنَّهُ شَيْءٌ لَا كَالْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَةِ، وَإِلَّا لَزِمَ أَنْ يَكُونَ قِوَامُهُ بِغَيْرِهِ وَمُفْتَقِرٌ فِي وُجُودِهِ إِلَى غَيْرِهِ، وَهَذَا مِنَ الْقَبِيحِ أَنْ يُقَالَ عَلَى اللَّهِ - تَعَالَى - فَقُلْتُ