هُوَ اللَّهُ وَهُوَ ابْنُ اللَّهِ، وَقَالُوا: إِنَّ النَّاسُوتَ مَرْيَمَ، وَلَدَ اللَّاهُوتَ، كَمَا وُلِدَ النَّاسُوتُ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا عَيْبًا يُنَزَّهُ الرَّبُّ عَنْهُ، فَلَأَنْ يَجْعَلُوا لَهُ أُمَّ هَذَا الْوَلَدِ الَّذِي حَبِلَتْ بِهِ وَاتَّحَدَ بِهِ اللَّاهُوتُ وَهُوَ مِنْهَا، وَوَلَدَتِ اللَّاهُوتَ - صَاحِبَةً وَزَوْجَةً لِلْأَبِ، أَوْلَى وَأَحْرَى، وَإِلَّا فَكَيْفَ تَلِدُ ابْنَهُ الَّذِي هُوَ اللَّاهُوتُ وَلَا تَكُونُ صَاحِبَتَهُ وَامْرَأَتَهُ؟

وَهُمْ يَقُولُونَ: نَحْنُ سَمَّيْنَا عِلْمَهُ مَوْلُودًا عَنْهُ ; لِكَوْنِهِ تَوَلَّدَ عَنْهُ تَوَلُّدَ الْكَلِمَةِ عَنِ الْعَقْلِ، وَهَذَا الْوَلَدُ اتَّحَدَ بِالنَّاسُوتِ فَسَمَّيْنَا الْمَجْمُوعَ وَلَدًا.

وَبِهَذَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ كَوْنِ الْمَسِيحِ ابْنًا وَغَيْرِهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُسَمَّى ابْنًا.

فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَؤُلَاءِ أَبْنَاءٌ بِالْوَضْعِ، وَالْمَسِيحُ ابْنٌ بِالطَّبْعِ ; أَيْ أُولَئِكَ سُمُّوا أَبْنَاءً بِمَشِيئَةِ الرَّبِّ وَقُدْرَتِهِ ; لِأَنَّهُ اصْطَفَاهُمْ، وَالْكَلِمَةُ الَّتِي جَعَلُوهَا مُتَّحِدَةً بِالْمَسِيحِ، هِيَ عِنْدَهُمْ مُتَوَلِّدَةٌ عَنِ اللَّهِ تَوَلُّدًا قَدِيمًا أَزَلِيًّا، لَا يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلِهَذَا قَالُوا: مَوْلُودٌ غَيْرُ مَصْنُوعٍ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ الْأَزَلِيَّ - مَعَ كَوْنِهِ قَائِمًا بِذَاتِهِ - لَا يَكُونُ مَصْنُوعًا عِنْدَ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ، وَلَا الْقَائِلِينَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ.

فَإِذَا كَانَتِ الْكَلِمَةُ اتَّحَدَتْ بِالْمَسِيحِ الْمَخْلُوقِ مِنْ مَرْيَمَ وَالْتَحَمَتْ بِهِ، فَإِذَا قِيلَ - مَعَ ذَلِكَ -: إِنَّ الْقَدِيمَ مَسَّ الْمُحْدَثِ أَوْ لَاصَقَهُ أَوْ بَاشَرَهُ، كَانَ أَيْسَرَ مِنْ هَذَا كُلِّهِ.

وَالْمَسِيحُ وُلِدَ وِلَادَةً حَادِثَةً عِنْدَهُمْ، غَيْرَ الْوِلَادَةِ الْقَدِيمَةِ الَّتِي لِلْكَلِمَةِ، فَيَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَرْيَمُ قَدْ صَارَتْ زَوْجَةً وَامْرَأَةً، بَلْ نُكِحَتْ نِكَاحًا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015