وَلِهَذَا كَانَ مَنْ تَدَبَّرَ التَّوْرَاةَ وَغَيْرَهَا مِنْ كَلَامِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - مِنَ النَّصَارَى، تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ دِينَهُمْ يُنَاقِضُ دِينَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ، وَأَنَّ مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ التَّثْلِيثِ وَالِاتِّحَادِ وَالشِّرْكِ، لَمْ يُبْعَثْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ -.

وَمَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ دُعَاءِ الْمَخْلُوقِينَ كَالْمَلَائِكَةِ، أَوْ كَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ الَّذِينَ مَاتُوا، مِثْلَ دُعَائِهِمْ مَرْيَمَ وَغَيْرِهَا، وَطَلَبِهِمْ مِنَ الْأَمْوَاتِ الشَّفَاعَةَ لَهُمْ عِنْدَ اللَّهِ - لَمْ يُبْعَثْ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، فَكَيْفَ وَقَدْ صَوَّرُوا تَمَاثِيلَهُمْ لِيَكُونَ تَذْكِيرًا لَهُمْ بِأَصْحَابِهَا، وَيَدْعُونَ تِلْكَ الصُّوَرَ؟

وَإِنْ قَصَدُوا دُعَاءَ أَصْحَابِهَا، فَهُمْ إِذَا صَرَّحُوا بِدُعَاءِ أَصْحَابِهَا وَطَلَبُوا مِنْهُمُ الشَّفَاعَةَ وَهُمْ مَوْتَى وَغَائِبُونَ، كَانُوا مُشْرِكِينَ.

فَكَيْفَ إِذَا كَانَ الدُّعَاءُ فِي الظَّاهِرِ لِتَمَاثِيلِهِمُ الْمُصَوَّرَةِ، وَهَذَا مِمَّا يَعْتَرِفُ حُذَّاقُ عُلَمَائِهِمْ بِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِدِينِ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ.

وَلِهَذَا وَقَعَ بَيْنَهُمْ تَنَازُعٌ فِي اتِّخَاذِ الصُّوَرِ فِي الْكَنَائِسِ لَمَّا ابْتَدَعَهُ بَعْضُهُمْ، كَمَا هُوَ مَذْكُورٌ فِي أَخْبَارِهِمْ، وَلَمْ يَأْتِ مَنِ ابْتَدَعَ ذَلِكَ بِحُجَّةٍ شَرْعِيَّةٍ.

وَالْمُجَسِّمَةُ يَعْتَقِدُونَ أَنَّ اللَّهَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَأَنَّهُ عَظِيمٌ جِدًّا، لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُتَّحِدٌ بِشَيْءٍ مِنَ الْأَجْسَامِ الْمَخْلُوقَةِ، وَلَا يَحُلُّ فِيهَا. فَمَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015