فَإِذَا اعْتَقَدُوا الِاتِّحَادَ فِيهَا، كَمَا اعْتَقَدَتْهُ النَّصَارَى فِي الْمَسِيحِ، لَمْ يَكُنْ ثَمَّ إِلَهٌ فِي الْحَقِيقَةِ إِلَّا ذَلِكَ الْجِسْمَ النَّاسُوتِيَّ الْمَخْلُوقَ.

لَكِنْ ظَنَّ الضَّالُّ أَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، كَمَا ظَنَّ عُبَّادُ الْعِجْلِ أَنَّ الْعِجْلَ إِلَهُ مُوسَى. فَإِذَا جَازَ أَنْ يَتَّحِدَ الرَّبُّ - عَزَّ وَجَلَّ - بِبَعْضِ الْأَجْسَامِ، لَمْ يُنْكَرْ عَلَى أَصْحَابِ الْعِجْلِ إِذَا جَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ رَبُّ الْعَالَمِينَ اتَّحَدَ بِالْعِجْلِ، وَقَدْ رَأَوْا مِنْهُ نَوْعَ خَرْقِ عَادَةٍ. فَلَيْسَ لِلنَّصَارَى أَنْ يُنْكِرُوا عَلَى عُبَّادِ الْعِجْلِ وَلَا عُبَّادِ شَيْءٍ مِنَ الْأَصْنَامِ إِذَا أَمْكَنَ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ - عَزَّ وَجَلَّ - حَلَّ فِيهَا عِنْدَهُمْ إِنْ لَمْ يُقِيمُوا دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الرَّبَّ لَمْ يَحُلَّ فِي ذَلِكَ.

فَإِذَا قِيلَ: إِنَّ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْكَرَ عَلَى عُبَّادِ الْعِجْلِ.

قِيلَ: نَعَمْ. وَمُوسَى يُنْكِرُ عَلَى كُلِّ مَنْ عَبَدَ شَيْئًا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، حَتَّى لَوْ عَبَدَ أَحَدٌ الشَّجَرَةَ الَّتِي كَلَّمَهُ اللَّهُ مِنْهَا لَأَنْكَرَ عَلَيْهِ، فَإِنْكَارُهُ عَلَى النَّصَارَى أَعْظَمُ.

وَمُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لَمْ يَقُلْ قَطُّ: إِنَّ اللَّهَ يَتَّحِدُ بِشَيْءٍ مَعَ الْمَخْلُوقَاتِ وَيَحُلُّ فِيهِ، بَلْ أَخْبَرَ مِنْ عَظَمَةِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - بِمَا يُنَاقِضُ ذَلِكَ.

فَفِي التَّوْرَاةِ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ عِبَادَةِ مَا سِوَى اللَّهِ وَمِنْ تَعْظِيمِ أَمْرِهِ وَعُقُوبَةِ الْمُشْرِكِينَ بِهِ، وَبِمَا أَخْبَرَ بِهِ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - مَا يُنَاقِضُ قَوْلَ النَّصَارَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015