أرجح رأي جمهور الفقهاء، وإذا تم لنا هذا كان بلوغ سن الخامسة عشرة هو الحد الفاصل بين مرحلة انعدام المسئولية الجنائية ومرحلة قيام هذه المسئولية، ومن ثم يعاقب البالغ بالعقوبة المقررة على الجرم الذي يقترفه.
الترجيح: وأرى أن رأي جمهور الفقهاء -الذي يقتضي بإيجاب الدية على عاقلة الصبي، سواء كان مميزا أو غير مميز- هو الراجح؛ لما ذكروه من أدلة، ولما فيه من النظر إلى كل من القاتل وأسرة المقتول، أما بالنسبة للأول فقد روعت حالة قصوره وضعفه العقلي المستدعي التخفيف عقلا وشرعا، وانعدام قصده الصحيح، ومن ثم كانت جنايته كجناية المخطئ في إيجاب الدية.
وأما بالنسبة للثاني فلأن أسرة المقتول في حاجة إلى تعويض عن دم المقتول، فكان إيجاب الدية لهذه الأسرة على عاقلة الجاني جبرا للنقص الذي أصابها، والرزء الذي حل بها، وكذلك فإن في إيجابها على العاقلة تنبيها لها وتوجيها لنظرها إلى رعاية أطفالها وصبيانها وتربيتهم التربية المناسبة حتى لا يقعوا في مثل ذلك مرة أخرى.
وأما إن كان للصبي نوع تمييز -كما قال شافعية- فإن في عقوبة التعزير كفاء، وحسبنا في ذلك ما أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الحديث المتقدم: "واضربوهم إذا بلغوا عشرا"، والضرب يكون بيد لا بخشبة.
ولقد نص ابن حزم الظاهري على وجوب تثقيفهم لكف أذاهم فيقول: "إلا أن من فعل هذا من الصبيان أو المجانين أو السكارى في دم أو جرح أو مال ففرض ثقافه في بيت ليكف أذاه حتى يتوب السكران ويفيق المجنون ويبلغ الصبي؛ لقول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} وتثقيفهم تعاون على البر والتقوى، وإهمالهم تعاون على الإثم والعدوان".