الأهلية، فقد جعل المشرع البلوغ أمارة على تكامل العقل؛ لأن الاطلاع على تكامل العقل متعذر؛ لأنه أمر خفي، فأقيم البلوغ مقامه؛ لأن البلوغ به تتكامل القوى الجسمانية، وتتم التجارب والإدراكات التي هي مراكب للقوى العقلية، ولأن البلوغ أمارة ظاهرة منضبطة يمكن أن تعلق الأحكام بها حتى تصدر على نسق واحد، ولا يضطرب التكليف؛ إذ إن للبلوغ علامات ظاهرة في الذكر والأنثى، فإذا وجدت هذه العلامات حكم ببلوغه.
وإذا لم توجد كان البلوغ بالسن، وقد اختلف الفقهاء في تقديره، فيرى جمهور الفقهاء "أبو يوسف ومحمد ابن الحنفية، والشافعية، والحنابلة، والإمامية، ورأي عند المالكية" تقديره بخمس عشرة سنة؛ وذلك لأنه المعتاد الغالب، ولما روي عن ابن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: عرضت على النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن أربع عشرة سنة فردني، وعرضت عليه في السنة الثانية فأجازني، ويقصد من عرضه على الرسول -صلى الله عليه وسلم- تقديمه للاشتراك في القتال، وقد أجيز اشتراكه في سن الخامسة عشرة.
ويرى المالكية تقديره بثماني عشرة سنة للفتى والفتاة، ويوافقهم أبو حنيفة في الفتى ويجعله للفتاة سبع عشرة سنة لسرعة بلوغها، وقد استدلوا على ذلك بما روي عن ابن عباس في تفسيره لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ} قال: "حتى يبلغ أشده" أي: ثماني عشرة سنة1.
ولما كان البلوغ في بلادنا يغلب في سن الخامسة عشرة؛ بل يندر التأخر عن هذه السن بالنسبة للفتى، أما الفتاة فهي أسبق من ذلك بكثير؛ لذلك