وأيضا فإن قوله عليه الصلاة والسلام: "أنت ومالك لأبيك" يقتضي عدم إيجاب القصاص؛ وذلك لأن مقتضى إضافة الابن إلى الأب تمكينه من ابنه، فإذا لم تثبت حقيقة الملكية ثبتت بالإضافة شبهة الملكية، الشبهة تسقط القصاص، ولأنه لما كان الأب سببا في إحياء الابن، فلا يكون الابن سببا في موته، ولا يخشى من أن القول بذلك يؤدي إلى انتشار قتل الآباء للأبناء؛ لأن ما أودعه الله تعالى في قلوبهم من فرط الشفقة والمحبة لأبنائهم يحول دون ذلك؛ لأن الوالد يحب ولده لمعنى في ذات الولد، وهو كونه ولده، غير مرتبط هذا الحب بشائبة مصلحة ظاهرة؛ إذ الابن يأخذ والأب يعطي غالبا، وكذلك يحبه لأن في حياته امتداد ذكره، وتخليد اسمه، واتصال آماله، وفي كل هذه المعاني ما يقف حائلا دون قصد القتل.
وقالوا: إن هذا الحكم يشمل الأصل وإن علا، أبا أو أما، والابن وإن نزل ابنا أو بنتا، ولم يخالف في هذا غير الإمامية والإباضية في رأي لهم؛ حيث تمسكوا بمنطوق الحديث فجعلوه قاصرا على الوالد وإن علا والابن وإن نزل، فتقتل الأم بابنها والأجداد من قبلها يقتلون مثلها، وكذلك الجدات مطلقا.
الرأي الثاني: يرى المالكية التفريق "في قتل الأب ابنه" بين أمرين؛ أولهما: أن يقصد قتله بآلة قاتلة قطعا كالسيف ونحوه، فإنه يكون قاتلا عمدا ويقتص منه؛ لأن هذا الفعل عمد حقيقة لا يحتمل غيره.