وجوب الدفاع أو جوازه:
لا خلاف بين الفقهاء في مشروعية الدفاع عن كل ما ذكرنا، ولكن هل يجب على الإنسان هذا الدفاع بحيث يكون آثما إذا تركه؛ لأن هذا الدفاع أمر يمليه الشرع ويفرضه، أم أنه يجوز له ولا يجب عليه، فيكون من حقه المدافعة، إن شاء قام بها وإن شاء تركها؛ لأنه حق من حقوق العبد، ومن خصائص حق العبد حريته في الانتفاع به واختياره، أو بعبارة أخرى: هل مدافعة المعتدين هي من قبيل المواجبات أم قبيل الحقوق، أو من قبيل حق الله أو من قبيل حق العبد؟ وللإجابة عن ذلك يلزمنا أن نفرق بين الحالات التالية:
الحالة الأولى: حالة الدفاع عن العرض: اتفق الفقهاء على أن الدفاع عن العرض واجب يأثم تاركه، فإذا أراد رجل امرأة على نفسها، وكان واجبا عليها الدافع عن نفسها بكل ما يمكنها من ذلك، ولو أدت المدافعة إلى قتله، فإذا قتل كان دمه هدرًا، استنادا إلى ما تقدم من النصوص، وبخاصة أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمر بقتال من يريد أخذ مال الغير ظلما، والأمر للوجوب، وإذا وجب هذا في المال الذي يجوز بذله وإباحته فدفع المرأة عن نفسها وصيانتها عن الفاحشة التي لا تباح بحال أولى، ولأن التمكين منها محرم، وفي تركها الدفاع عن نفسها نوع تمكين، فيحرم عليها ترك الدفاع.
ولقد روى الزهري عن القاسم بن محمد عن عبيد بن عمير: أن رجلا أضاف ناسا من هذيل فأراد امرأة على نفسها، فرمته بحجر فقتلته، فقال: عمر: "والله لا يودى أبدًا"1.
وكذلك يجب الدفاع عن زوجه، وما أصاب في ذلك من دم فهو هدر، لا قصاص فيه ولا دية، فقد روي أن عمر بن الخطاب بينما هو يتغدى يوما