قد استدلوا على عدم قتل الجماعة بالواحد بالكتاب والقياس:

أما الكتاب: فإن الله سبحانه وتعالى شرط المساواة بين القاتل والمقتول بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ ... } وقوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، والقصاص هو المساواة، ولا مساواة بين الجماعة والواحد بداهة وعقلا، فإذا قتلت جماعة واحدا لا يقتلون به؛ لما فيه من الظلم على المعتدين؛ لأن الواحد منهم مماثل للمقتول، فكيف يكون جميعهم مساوين له!!

وأيد هذا قول الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ... } فإنه يدل على أن النفس الواحدة تقتل بالنفس الواحدة، ولا تقتل الجماعة بالواحد، وإلا لما كانت نفس بنفس، بل نفوس بنفس، وهذا يخالف النص، فلا يصح.

وأما القياس: فوجهه أن التفاوت بالأوصاف يمنع القصاص، بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد1، فالتفاوت في العدد أولى بأن يمنع القصاص.

وأيضا فإن كل واحد من الجناة مكافئ المقتول، فلا تستوفى أبدال بمبدل واحد، كما لا تجب ديات لمقتول واحد.

ولم نعثر على أدلة للقائلين بقتل واحد من الجماعة فقط وأن يؤخذ من الباقين حصصهم من الدية، ولعلهم يجعلون هذا الحق لولي الدم، فهو الذي يختار من يقتص منه، ثم يأخذ من الباقين حصصهم من الدية، إلا أن هذا تحكم يحتاج إلى دليل، ولا دليل، فإن الكل قد اشتركوا في الجناية، فإما أن نوجب عليهم القصاص جميعا، أو نسقطه عنهم جميعا، والوسيلة إلى إسقاطه هي ما شرعه الله من العفو ببدل أو بغير بدل، ويكون هذا الحق بقسميه ثابتا لولي الدم ابتداء بالنسبة لجميعهم؛ لأنهم متساوون في الفعل الموجب لهذا الحكم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015