وأيضا فإن عقد الذمة هو طريق فتحه الإسلام لغير المسلمين؛ لكي يتعرفوا على سماحة الإسلام عن كثب، ويلمسوا عدالته عن قرب، ويعرفوا حقيقة هذا الدين، فإذا تحققوا من ذلك اعتنقوه، فإذا كان عقد الذمة طريقا إلى الإسلام كان القول بإيجاب القصاص على من قتل ذميا -مسلما كان القاتل أو غير مسلم- محققا لهذا الغرض تحقيقا تاما، ومبينا أن الإسلام دين العدالة، ودين الإنسانية الذي كرم الإنسان لذاته؛ لأنه بنيان الله، ولعن من هدمه، وحذر من قتله، ولقد سبق أن روينا تحذير الرسول -صلى الله عليه وسلم- من قتل المعاهد بقوله: "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما" رواه البخاري.

قتل المسلم بالمستأمن:

يرى جمهور الفقهاء -ومنهم الحنفية، عدا الإمام أبي يوسف- ألا يقتل المسلم بالمستأمن؛ وذلك لأن عصمة دمه لم تثبت مطلقة كما ثبتت لمن اكتسبها بعقد الذمة؛ لأن عقد الذمة عقد أبدي؛ بل ثبتت مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام؛ لأن المستأمن من أهل دار الحرب؛ وإنما دخل دار الإسلام لا لقصد الإقامة؛ بل لعارض حاجة يدفعها ثم يعود إلى وطنه الأصلي، فيصبح محاربا كما كان، فكان في عصمته شبهة، والشبهة تسقط الحد، فكذلك القصاص.

ويرى الإمام أبو يوسف أن المسلم يقتل بالمستأمن قصاصا؛ وذلك لأنه بعقد الأمان قد اكتسب العصمة، والعصمة قائمة وموجودة وقت القتل1، فكانا متساويين في العصمة، وإذا تساويا في ذلك كان القصاص

طور بواسطة نورين ميديا © 2015