وأما قولهم: إن مطلق الكفر مبيح للقتل، فغير مسلم؛ لأن المبيح كافر المحارب، قال الله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} الآية1، فقد جعل الله تعالى إقرارهم بالجزية منهيا لقتالهم فإذا أعطوها عصموا دماءهم إلا بحقها، كما وضح هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن أجابوك -أي قبلوا إعطاء الجزية- فاقبل منهم وكف عنهم" 2، ولو كان المبيح لقتلهم مجرد الكفر لحل لنا قتل نساء الكفار المحاربين وصبيانهم وكهنتهم غير المشتركين في الحرب، أما وقد حرم الله قتل هؤلاء فإن هذا يكون دليلا على أن المبيح لقتلهم كفر المحارب لا مطلق الكفر.
وأما قولهم: إن الكفر يورث شبهة الإباحة، فإن هذا القول ينفيه القول بقتل الذمي بالذمي إجماعا، فإن في ذلك دليلا على أن كفر الذمي لا يورث الشبهة؛ إذ لو أورثها لما جرى القصاص بينهما، كما لا يجرى بين الحربيين.
الترجيح:
واستنادا إلى ما استدل به القائلون بقتل المسلم بالذمي من عموم قوله تعالى: {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} ، وقوله صلى الله عليه سلم: "العمد قود"، وتفسير الحديث: "ألا لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده"، والأخبار التي ذكرناها آنفا، ثم القياس، تيضح لنا قوة هذا الرأي، ويضاف إلى ذلك أن عدم قتله به قد يؤدي إلى أن يثأر أهل المقتول من القاتل، باذلين جهدهم في إخفاء جنايتهم حتى لا يقتص منهم، كما أنه قد يؤدي إلى أن بعض الحمقى من المسلمين قد يقدمون على قتل أهل الذمة، ويؤدي هذا إلى تتابع القتلى، وهذا لا يحقق الغرض الذي شرع من أجله القصاص {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، كما أنه ينشر الفساد بين الناس