الشروط التي اتفقوا عليها:

لقد اتفق الفقهاء على اشتراط ثلاثة شروط لاستيفاء القصاص، بعضها في الجاني، وبعضها في المجني عليه، فإن لم تتوافر هذه الشروط سقط القصاص إما لا إلى بدل، أو إلى بدل عن القصاص؛ كالدية والتعزير، ونذكر هذه الشروط هنا بإيجاز؛ لأننا سنتناول بحثها تفصيلا في المقصد السادس من هذا النوع "الخاص بالظروف المبيحة أو المخففة لعقوبة القتل العمد في الفقه الإسلامي".

الشرط الأول: أن يكون الجاني مكلفا، فإن كان صبيا أو مجنونا فلا يجب القصاص منه؛ لأن القصاص عقوبة، وهما ليسا من أهل العقوبة؛ لأن العقوبة لا تجب إلا بالجناية، وفعلهما لا يوصف بالجناية لعدم القصد الصحيح، ولأن العمد يترتب على العلم، والعلم لا يكون إلا بالعقل، والمجنون عديم العقل، والصبي قاصر العقل، فأنَّى يتحقق منهما القصد فصار في جنايته كالنائم؛ أي: أن جناية كل منهما تكون خطأ عند جمهور الفقهاء "على ما يأتي بيانه" فقد روي عن علي -رضي الله عنه- أنه جعل دية المجنون على عاقلته، وقال: عمده وخطؤه سواء، ولأن الصبي مظنة الرحمة، وقد استحق العاقل القاتل خطأ التخفيف حتى وجبت الدية على العاقلة، والصبي -وهو أعذر- أولى بهذا التخفيف.

الشرط الثاني: أن يكون الصبي المجني عليه معصوم الدم، وعصمة الدم إما أن تكون بالإسلام؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها" رواه مسلم، أو تكون بدار الإسلام، والإقامة بدار الإسلام لغير المسلمين إما أن تكون بعقد ذمة أو عقد أمان، فإن كانت بعقد ذمة، فالأصل فيه قوله جل شأنه: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015