تَرَ أَنَّ اللَّهَ أنَزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا) ، وَقَوْلُهُ فِي «النَّمْل» : (أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ لَكُمْ مِّنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَنبَتْنَا بِهِ حَدَآئِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ) . وَهَذَا الِالْتِفَاتُ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ بِصِيغَةِ التَّعْظِيمِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ كُلِّهَا فِي إِنْبَاتِ النَّبَاتِ ـ يَدُلُّ عَلَى تَعْظِيمِ شَأْنِ إِنْبَاتِ النَّبَاتِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَنْزِلِ الْمَاءُ وَلَمْ يَنْبُتْ شَيْئا لَهَلَكَ النَّاسُ جُوعًا وَعَطَشًا. فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى عَظَمَتِهِ جَلَّ وَعَلَا، وَشِدَّةِ احْتِيَاجِ الْخَلْقِ إِلَيْهِ وَلُزُوم طاعتهم لَهُ جلّ وَعلا] (?) .
[قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً) . قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: «مَا عَلَيْهَا» يَعْنِي مَا عَلَى الْأَرْضِ مِمَّا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ زِينَةً لَهَا وَلِأَهْلِهَا مِنْ زَخَارِفِ الدُّنْيَا وَمَا يُسْتَحْسَنُ مِنْهَا.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: كُلُّ مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةٌ لَهَا مِنْ غَيْرِ تَخْصِيص. وعَلى هَذَا القَوْل ـ فَوجه
كَون الْحَيَّاتِ وَغَيْرِهَا مِمَّا يُؤْذِي زِينَةٌ لِلْأَرْضِ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ خَالِقِهِ، وَاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ
وَالْجَلَالِ، وَوُجُودُ مَا يَحْصُلُ بِهِ هَذَا الْعِلْمُ فِي شَيْء زِينَة لَهُ] (?) .
قَالَ صَاحب التَّتِمَّة - رَحمَه الله -: [وَمرَاده - أَي القَاضِي عِيَاض - بِالْعَقْلِيَّاتِ فِي الْعَقَائِدِ أَيْ إِثْبَاتُ وُجُودِ اللَّهِ وَأَنَّهُ وَاحِدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدهم بقانون الْإِلْزَام، الَّذِي يُقَال فِيهِ إِمَّا الْمَوْجُودَ إِمَّا جَائِزُ الْوُجُودِ أَوْ وَاجِبُهُ، فَجَائِزُ الْوُجُودِ جَائِزُ الْعَدَمِ قَبْلَ وُجُودِهِ وَاسْتَوَى الْوُجُودُ وَالْبَقَاءُ فِي الْعَدَمِ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ، فَتَرَجَّحَ وجوده على بَقَائِهِ فِي الْعَدَم، وَهَذَا