كُوثَى مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ، وَالْأَرْضُ الَّتِي خَرَجَا إِلَيْهَا: هِيَ أَرْضُ الشَّامِ اهـ مِنْهُ.

وَهَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ تُشِيرُ إِلَى هِجْرَةِ إِبْرَاهِيمَ وَمَعَهُ لُوطٌ مِنْ أَرْضِ الْعِرَاقِ إِلَى الشَّامِ فِرَارًا بِدِينِهِمَا.

وَقَدْ أَشَارَ تَعَالَى إِلَى ذَلِكَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ فِي «الْعَنْكَبُوتِ» {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّى مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّى} ، وَقَوْلِهِ فِي «الصَّافَّاتِ:» {وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ} عَلَى أَظْهَرِ الْقَوْلَيْنِ؛ لِأَنَّهُ فَارٌّ إِلَى رَبِّهِ بِدِينِهِ مِنَ الْكُفَّارِ.

وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَالَ إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى سَيَهْدِينِ} : هَذِهِ الْآيَةُ أَصْلٌ فِي الْهِجْرَةِ وَالْعُزْلَةِ، وَأَوَّلُ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ حِينَ خَلَّصَهُ اللَّهُ مِنَ النَّارِ قَالَ: {إِنِّى ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّى} أَيْ مُهَاجِرٌ مِنْ بَلَدِ قَوْمِي وَمَوْلِدِي، إِلَى حَيْثُ أَتَمَكَّنُ مِنْ عِبَادَةِ رَبِّي {فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ} فِيمَا نَوَيْتُ إِلَى الصَّوَابِ، وَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ جَلَّ وَعَلَا مِنْ أَنَّهُ بَارَكَ الْعَالمين فِي الْأَرْضِ الْمَذْكُورَةِ، الَّتِي هِيَ الشَّامُ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِقَوْلِهِ: {إِلَى الأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ} بَيَّنَهُ فِي غَيْرِ الْمَوْضِعِ. كَقَوْلِهِ: {وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِى بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِى بَارَكْنَا فِيهَا} ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {سُبْحَانَ الَّذِى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِى بَارَكْنَا حَوْلَهُ} . وَمَعْنَى كَوْنِهِ (بَارَكَ فِيهَا) . هُوَ مَا جَعَلَ فِيهَا مِنَ الْخِصْبِ وَالْأَشْجَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالثِّمَارِ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ} وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَعَثَ أَكْثَرَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهَا.

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ مَاءٍ عَذْبٍ أَصْلُ مَنْبَعِهِ من تَحت

طور بواسطة نورين ميديا © 2015