عَائِشَة وَعمر، ورحل عَلْقَمَة إِلَى أبي الدَّرْدَاء بِالشَّام، وَكتب مُعَاوِيَة إِلَى الْمُغيرَة: أكتب إِلَيّ بِمَا سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمثل هَذَا كثير.
قَالَ أَبُو مُحَمَّد: فقد بَينا - وَالْحَمْد لله - وَجه ترك بعض الحَدِيث، وَالسَّبَب الْمُوجب للِاخْتِلَاف، وشفينا النَّفس مِمَّا اعْترض فِيهَا، ورفعنا الْإِشْكَال عَنْهَا، وَالله عز وَجل الْمعِين على الْبَحْث، وَالْهَادِي والمرشد بمنه.
وَبِهَذَا الْبَيَان الَّذِي كشف بِهِ هَذَا الإِمَام فِي هَذَا الْفَصْل صُورَة الْحَال فِي أَسبَاب الِاخْتِلَاف الْوَاقِع بَين الصَّحَابَة فَمن دونهم، صَحَّ للأئمة الْمُتَقَدِّمين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ - وجوب طلب التَّصْحِيح للنصوص الْوَارِدَة فِي شرائع الدّين، لتقوم الْحجَّة مِمَّا يَصح مِنْهَا على الْمُخْتَلِفين. وَقد قَامَ الْكل مِنْهُم فِي ذَلِك بِمَا قدر عَلَيْهِ، وانتهت استطاعته إِلَيْهِ، إِلَى أَن انْفَرد بالمزيد فِي الِاجْتِهَاد والرحلة إِلَى الْبِلَاد فِي جمع هَذَا النَّوْع من الْإِسْنَاد، بعد التتبع والانتقاد، الإمامان أَبُو عبد الله مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل البُخَارِيّ، وَأَبُو الْحُسَيْن مُسلم بن الْحجَّاج النَّيْسَابُورِي رَضِي الله عَنْهُمَا، فحازا قصب السَّبق فِيهِ فِي وقتهما. ولفرط عنايتهما بِهِ، وبلوغها غَايَة السَّعْي والتشمير فِيهِ، قويت هممها فِي الْإِقْدَام على تَسْمِيَة كِتَابَيْهِمَا بِالصَّحِيحِ. وَعلم الله عز وَجل صدق نيتهما فِيهِ، ومشقة قيامهما بِهِ، وَحسن انتقادهما لَهُ، فَبَارك لَهما فِيهِ، ورزقهما الْقبُول شرقاً وغرباً، وَصرف الْقُلُوب إِلَى التعويل عَلَيْهِمَا، والتفضيل لَهما، والاقتداء فِي شُرُوط الصَّحِيح بهما. وَتلك عَادَة الله فِيمَن أحب: أَن يضع لَهُ الْقبُول فِي الأَرْض، كَمَا جَاءَ فِي الْخَبَر الصَّادِق عَن الْمَبْعُوث بِالْحَقِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فهنيئاً لَهما، وَلمن اهْتَدَى فِي ذَلِك بهداهما.
وَالْوَاجِب علينا وعَلى جَمِيع من فهم الْإِسْلَام، وَعرف قدر مَا حفظا من الشَّرَائِع وَالْأَحْكَام، أَن يخلص الدُّعَاء لَهما ولسائر الْأَئِمَّة الناقلين إِلَيْهِمَا وإلينا قَوَاعِد هَذَا الدّين، وشواهد أَحْكَام الْمُسلمين.