وَقد استشرف بعض الطالبين إِلَى معرفَة الْأَسْبَاب الْمُوجبَة للِاخْتِلَاف بَين الْأَئِمَّة الماضين رَضِي الله عَنْهُم أَجْمَعِينَ، مَعَ إِجْمَاعهم على الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ المستبين، حَتَّى احْتِيجَ إِلَى تكلّف التَّصْحِيح فِي طلب الصَّحِيح، وَقربت على هَذَا الطَّالِب معرفَة الْعذر فِي اخْتِلَاف الْمُتَأَخِّرين لبعدهم عَن الْمُشَاهدَة، وَإِنَّمَا تعذر عَلَيْهِ معرفَة الْوَجْه فِي اخْتِلَاف الصَّحَابَة رضوَان الله عَلَيْهِم مَعَ مشاهدتهم نزُول التَّنْزِيل، وَأَحْكَام الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وحرصهم على الْحُضُور لَدَيْهِ، والكون بَين يَدَيْهِ، وَالْأَخْذ عَنهُ، والاقتباس مِنْهُ، وَهَذَا الَّذِي وَقع لهَذَا الطَّالِب الباحث قد وَقع لبَعض من قبله الْخَوْض فِيهِ، والبحث عَنهُ.
وَخرج فِي هَذَا الْمَعْنى بعض الْأَئِمَّة من عُلَمَاء الْأَمْصَار فصلا رَأينَا إثْبَاته هَا هُنَا لإِزَالَة هَذِه الشُّبْهَة عَن هَذَا الطَّالِب الباحث وَعَن غَيره مِمَّن يخفى ذَلِك عَنهُ، ويتطلع إِلَى معرفَة الْوَجْه فِيهِ. وَبِهَذَا الْفَصْل يتَصَوَّر للْكُلّ صُورَة وُقُوع ذَلِك مِنْهُم، وَكَيْفِيَّة اتفاقه لَهُم، حَتَّى كَأَنَّهُ شَاهده مَعَهم. وَهَذَا أول الْفَصْل الْمخْرج فِي ذَلِك، أوردناه بِلَفْظ مُصَنفه رَحْمَة الله عَلَيْهِ:
قَالَ لنا الْفَقِيه الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد عَليّ بن أَحْمد بن سعيد اليزيدي الْفَارِسِي رَضِي الله عَنهُ فِي بَيَان أصل الِاخْتِلَاف الشَّرْعِيّ وأسبابه.
تطلعت النَّفس بعد تيقنها أَن الأَصْل الْمُتَّفق عَلَيْهِ المرجوع إِلَيْهِ، أصلٌ وَاحِد لَا يخْتَلف، وَهُوَ مَا جَاءَ عَن صَاحب الشَّرْع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِمَّا فِي الْقُرْآن، وَإِمَّا من فعله أَو قَوْله الَّذِي لَا ينْطق عَن الْهوى فِيهِ، لما رَأَتْ وشاهدت من اخْتِلَاف عُلَمَاء الْأمة فِيمَا سَبيله وَاحِدَة، وَأَصله غير مُخْتَلف، فبحثت عَن السَّبَب الْمُوجب للِاخْتِلَاف، ولترك من ترك كثيرا مِمَّا صَحَّ من السّنة، فوضح لَهَا بعد التفتيش والبحث أَن كل