قال الله تعالى وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شيء موزون وجعلنا لكم فيها معايش) فالأرض الزرع وربوعها التي تجرى المعاملات فيها بالكيل وظهور الجبال للموزونات كالأدوية المقدرة بالأوزان وحتى الحطب ان احتطب منها وبطونها خزائن للاثمان وسائر مصالح الناس في المعاش فلفظة فيها إذا راجعة إلى الجبال إذا لوزن للحزن والكيل للسهل - وإنبات الجماد بالإنشاء وحسن التربية والابقاء - قال الله تعاى (أنزل من السماء ماء فسألت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض) فالله تعالى يضرب للناس في الحق والباطل أمثالا لا يعقلها إلا العالمون الذين يخشونه ويمر عليها الجاهلون غير منتفعين بهها بل مستخفين بها وبحقائقها و (إنّ الله لا يستحيى أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها) لأن قدرته على ما فوقها كقدرته على ما دونها وكعجز من سواه عنهما وحكمته تشتمل جميعها بالسواء والباطل بالحق ابدا مدفوع زاهق ذاهب جفاء كزبد السيول المائية وكمثله المائعة بالنار الملتهمة فان أزبادها وقليماتها تطرح فتصير هباء لاينتفع بها ثم يبقى ماء الزبد على الأرض مدة ما اذ ليس فيها شيء باق على حاله وإنما يعود أليها رجعا إلى اصله إما يقع الماء الباقي في الأرض الماكث فيها فظاهر جدا لان كل حى فمنه وبه واما نفع الفلزة كذلك على اقتنائه إلى قسمين ذهب وفضة للأثمان ومنهما يبتغى الحلية والحلية للزينة ونحاس وحديد وما بعدهما فمتاع دافع نافع - وقد ذكر الطبيعيون ان الكبريت أبو الأجساد الذائبة والزئبق أمها تعيدها النار في الإذابة زئبقا رجراجا - فان كان كذلك فهو أولى بالتقديم في الذكر
يسمى زاووقا ومنه التزويق في التصوير والمزبقات هى الدراهم الزيوف المطلية به - وكان في الأيام التي لا تبعد عن أيامنا قطاع دراهم غلاظ مملسة الأطراف والحواشي إلى السواد كأنها سنجات الموازين تسمى مزبقة ذكروا إنها كانت تعمل من الزئبق المعقود وكانت تستعمل بمكة إلا المواسم فانهم كانوا يرفعون التعامل بها إلى ان يأخذوا من الحججيج ما معهم من الذهب والفضة ثم يعودون عند عودهم إلى الزئبق والدينار المطوق - ومنه بمزأوجه الكبريت في النار يعمل الزنجفر لأن الكبريت يعقده ويولد الحمرة فيه كما يولد ما في الاسرب المحرق ويصيره اسر نجا - وربما سوّى بينهما في التسمية بالسنجفرية ثم يفصل المعمول بالزئبق بالنسبة إلى الروم إذا كان فيما مضى حمل من هناك ولا يهتدي هاهنا لغبر الاسرنج - والزئبق يفر عن النار الا أن يجعل في مغرفة حديد محماة فانه يستقر فيها مدة وذلك أن الزئبق سيال كالماء فالنار تبخره بتبديد الأجزاء وإذا اجتمعت وانضمت عادت زئبقا كعود المبخر من الماء ماء عند مزايلة الحرارة إياه وانحصاره في المضائق - وهو غوّاص في الأجساد الذائبة بسهولة وفي الحديد بعسر كسار للذهب مفتت إياه بجرمه وبرائحته أن فاحت من النار وأمرتها ريح على ذهب بعيد عنه بل تفسد رائحته الصناع والصاغة وتودي بهم إلى التهييج والنورم والفالج - ولعسر تعلقه بالحديد الا مع الذهب يذهبون الدروع والبيض بملاغم الذهب ثم يفضضونها بملاغم الفضة - ولم يعرف جالينوس حقيقة حاله أهو معدني ام معمول عمل الاسفيداج والمرتك - وحكى ابن مندويه عن ماسر جويه انه معمول - وقال غيره من الاسرب وليس كذلك فانه مسخرج من أحجار حمر تحمى في الكور حتى ينشقوا ويتدحرج الزئبق من البزال - ومنهم من يدقها ويقطرها في آلات على هيئة التقطير بالقرع والانبيق فيجتمع الزئبق في القابلة - وجميع الأحجار يطفوا على وجه الزئبق ما خلا الذهب فانه يرسب فيه بفضل الثقل لا أن الزئبق يتعلق به ويجذبه إلى نفسه كما ظن قوم وقد امتحنا ذلك بشرائط فأسفر ذلك انه من خصوصة الثقل فيه وكما كنا جعلنا قطب الاعتبار في الجواهر مائة من الياقوت الاكهب وذلك نجعله في هذا الفن مائة من الذهب الابريز المخلص مرارا ووزن الزئبق المسأوى لحجمه أحد وسبعون من القطب والله الموفق -