ولا عار إن زالت عن الحر نعمة ... ولكن عارا ان يزول التجمل

عنى بالأول الفتوة إذ لم يتمكن منها إلا بسعة اليد واتساع النعمة - وربما استوى الاجتهاد في حيازتها ولا ملام على من لم تساعده المقادير على نيل المطلب0 وعنى بالأخير المروءة فأن مرارة أنفس الأحرار تأبى الانخزال وتبعث على التصون من الابتذال فيظهر السعة ويخفى الضيق ما أمكن حتى يحسبهم الجاهل بأحوالهم أغنياء من التعفف لما يراهم عليه من التوسعة في النفقة والنظافة في البدن والنقاء فيما جاوره من الشعار وإشراك الغير فيما رزقه الله ولم يحرمه من غير امتنان ولا قهر لأجله على امتهان كما علّم الله وأدب بقوله تعالى (ولا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى) واخبرنا بإحباط نفقات الذي يرائي لغرض مذموم من غير ان يهزه لها كرم أو يحتسب منها عند الله قبولاً يحصل له به أجر -

ترويحة

العاقل لا يلتذ إلا بالأمور النفسانية الباقية والغبي عن حقائق أحوال المحسوسات وإيذانها باللذات يجعل عينه على ما زين من الأرض بصنوف الزينة ووشح به من الزخارف البهجة التي تطرب الحيوان غير الناطق فليعب فيها ويتمرغ في لينها وتأخذه الأريحة من روائحها فضلاً عن الناطق المميز لكنها - غنما يلذ العاقل لذة نفسانية إذا لاحظهما بعين البصيرة والاعتبار كما يلذ الغافل لذة جثمانية في الاصطباح، والاغتباق والتقلب بين الخمر والخمّار ولما لك يبق له ولأمثاله إلا مدّة يسيرة دومت بعدها وعقبها عند تصرم آجالها فسادها حتى اصفرت بعد الخضرة وتحطمت في اثر النضرة وعادت هشيما تذروه السوافي وتجعله العواصف هباء وتحمله السيول غثاء فيذهب جفاء عوضاً منها وهي افاقية تذاكير بقيت في أنفسهم بقيت لهم بعد انقضائها والوجنات الوجلة مراي الغرار المعصفر والشنبليد المزعفر والاحداق الرواني مناظر العبهر والشفاه اللُعس فيق الجلنار والشقائق وشنب الثغور البيض حواشي القاحي غب المطر وزقب الشوارب وإلا عذره رياض الخيري والبنفسج لكن هذه التذاكير لما كانت أعراضاً محمولة في أشخاص محدودة الأعمار بالية على معاورة الليل والنهار لم تخلد خلودها في ولدان الجنة المخلدين على حالهم الباقين على صفاتهم الموعودة دون الفرطة التي ظنها بعضهم الخلد فأقيم لها بدلها من الجواهر المخزونة تحت الثرى الأحجار المنضودة ومن المكنونة المصونة في أعماق البحار المسجورة ما كان أبقى على قرون تمضى وأحقاب تمر وتنقضي - وكانت منّه عليهم في قوله تعالى (يخرج منها اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان) وقوله تعالى، (وتستخرجون منه حلية تلبسونها) وشبه بها ساكنات الجنة فقال عز من قائل (كأنهن الياقوت والمرجان) ولولا الزينة فيها لما انفصلت عن الذهب والفضة فان سبيلهما في عدم الغنى عند الضرورات سبيلهما بل هي مختلفة عن فضلهما في تثمين الحوائج والحاجات فانها كذلك مثمّنة بهما - وربما كانت على وجه التعويض مزيحة العلل وهي جواهر جسمانية نفاستها بما يحسن الحس منها فيمدح بحسب ذلك مادامت مستبدة به فإذا قرنت بالجواهر النفسانية انكشفت وذم منها ما كان يحمد على مثال وصف أبي بكر الخوارزمي رجلاً، انه درّة من درر الصدف وياقوته من يواقيت الأحرار لا من يواقيت الأحجار -

ترويحة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015