وعلى مثله تكون المبايعة مع من جاء إلى المراكب من أهل الجزائر في نقائز أو سباحة وذلك أن كل وأحد من التجار يلوح ما عنده للتعارض إلى أن يقع التراضي عليهما فيما بينهم ثم تضع التجار متاعهم في كفة آلة على هيئة الميزان ويدلونه إلى حيث لاتصل ايدى الواردين والنواتية تشرف عليه بالمرادى ثم ترسل الكفة الأخرى إلى الواردين فيضعون فيها ما معهم وتشال مع حط الأخرى فيصل كل وأحد إلى حقه بمثل اختلاس الصيد - وإذا تغافلوا عن ذلك وثب أولئك إلى ما دلى أليهم ففازوا به لأدرك لهم ولنقائزهم كالأعرابي الذي جاء إلى الحجيج بظبي يبيعه فاشترى منه ووفي الثمن عليه وسألوه كيف اصطاده فقال عدوا - ولم يصدقوه فقال اشتروه منى ثانية وخلوه لأجيئكم به ففعلوا ولما تباعد الظبي تبعه الأعرابي عدوا وهم ينظرون أليه حتى اقتنصه وجاء به وسلمه أليهم واستوفي الثمن الثانى - وقد حفروا لشيه كالقرموص فلما أدرك ووضع على السفرة بالخبز والآلات اخذ الأعرابي خيط السفرة ومده حتى انتوت وحملها ووقف بازائهم وقال، أيها الفتيان هذا الظبي كان حيا وما فاتني مرتين فكيف ينجو منى وهو مذبوح مشوي وانتم أصحاب نعمة زادكم الله وعائلتي جياع ينتظرون ما أعود به عليهم وقد وسعتم الضيافة عليهم فقبل الله منكم وجازاكم الخير وذهب على مهل يترنم بالشعر كالمسهزئ بهم - وقد يضاف إلى ما قلنا أساطير أخر في نبت الذهب في تلك البراري كالخرز وانه لا يعثر عليه إلا عند طلوع الشمس بلمعان شعاعها عليه - فأما تلك الأراضي وبراري السودان كلها فإنها في الأصل من حمولات السيول المنحدرة من جبال القمر والجبال الجنوبية عليه منكبسة كانكباس أرض مصر بعد أن كانت بحرا وتلك الجبال مذهبة وشديدة الشهوق فيحمل الماء أليها بقوته القطع الكبار من الذهب سبائك تشبه الخرز وبها سمى النيل ارض الذهب - واما وجوده عند طلوع الشمس فلشدة الحر لان ظلام الليل يمنع عن طلبه وضوء النهار كذلك لاقتران الحربة ولم يبق غير الغداة فان آخر الليل ابرد أوقاته وأول النهار رديفه لم يحتدم بعد متوعه وليس بريق الذهب الخالص ولمعانه في الشعاع بمستبدع خاصة ذاا كان غب الندى فطلاب الكنوز في المدن العتيقة الخربة يقصدونها بعد أقلاع الأمطار - وقال ربيعة بن مقروم الضبي -
هجان الحى كالذهب المصفي ... صبيحة ديمة يجنيه جانى
وأما فرض الوجود على قدر اثمان ما حملوا من الأمتعة فاعلمي يا أم عمرو ان ذلك دليل على الغزارة التي تمكن في كل وقت وجود الحاجة منه فلا تلجئ العزة والعوز إلى الادخار والكنز مع سلامة قلوب أولئك في هذا الباب وخلوهم عن الافكار الباعثة على اهتمام للغد - فالزنجي إذا تمكن من وتر في كنكله ووجد من الاطواق السائلة من النار جيل ما يسكره لم يعبأ بالدنيا واحتسب ما فيها من ذلك انه ملكها بحذافيرها - وفي أرض أولئك السودان معادن ليس في معادن سائر البلدان اغزر ريعا منها ولا اصفي ذهبا الا ان المسالك أليها شاقة من جهة المفأوزوالرمال وسكان تلك البلاد ينقبضون من مخالطة قومنا ولذلك ولذلك يستعد لها التجار من سجلماسة في حد تاهرت من اقاصى ارض المغرب بالزاد الكافي والماء الوافي ويحملون إلى السودان الذين هم وراء تلك الفيافي أثواب بصرية تعرف بالمبجبجات عرفوا ولوعهم بها وهى حمر الأطراف ملونة بصنوف الألوان معلمة بالذهب ويبايعونهم بالذهب بالإشارات من بعيد والمعاينات بشرط التراضي بسبب العجمة وفرط النفار عن البيضان كنفار البهائم عن السباع ولا يرغبون في شيء غير تلك الاثواب فانهم يتهافتون عليها وتلك المعادن فيما بين بواطن السودان وبين زويلة من بلاد المغرب - ولأن ارض البجة من أشباه تلك الكنائس وأواخر بين النيل وبحر القلزم فإنها خصت لذلك بمعادن الذهب على مسافة بضع عشرة يوما من أسوان كما ذكر في كتاب أشكال الأقاليم ينتهي بعدها إلى حصن عيذاب وهو للحبشة ويسمى مجمع الناس هناك لاستنباط الذهب من الرمال والرضراض تحت ارض مبسوطة ليس فيها جبل العلاق ووجوه الدخل منها إلى مصر - وقد كان يوجد في زوريان في عنفوان ظهوره وإقبال شانه في جباله وهضباته تجأويف واسعة كالبيوت يسمونها اخرات أى أو أرى مملوءة من قطاع ذهب كالسبائك كأنها خزائن معدة لطلابها وكان العاثر عليها يحصل على غناء الدهر -.