قَالَ الرياشي: الليتان صفحتا الْعُنُق من النَّاقة، وهما تَحت الْقُرط من الْمَرْأَة، قَالَ القَاضِي: من الليت قَول الشَّاعِر:
وفرعٍ يَصِيرُ الجيدَ وحفٍ كَأَنَّهُ ... على اللّيْتِ قِنوانِ الْكُروم الدوالحُ
وَقَالَ آخر:
إِذَا هِيَ قامتْ تَقْشعرُّ شُواتُها ... ويَبْرقُ بَيْنَ اللّيْتِ مِنْهَا إِلَى الصُّقْلِ
قَالَ الرياشي فِي قَوْله وبلدة نحرها: الْبَلدة من الإِنْسَان اللّبة، وَمن الْبَعِير الْكَركرة، وكُرّاث الصريم: نبت لَهُ ثَلَاثَة عروق ينْبت فِي الرمل فَإِذا أَخْرَجَهُ كَانَ أَسْفَله كَأَنَّهُ قذذ السهْم، فَشبه النبل بِذَاكَ، والصريم: الرمل، وَأنْشد الرياشي:
أنيخت فَأَلْقَت بَلْدَة فَوق بلدةٍ ... قليلٌ بهَا الأصواتُ إِلَّا بُغامُها
يُقَالُ لصوت الْبَعِير بُغام، قَالَ الشَّاعِر:
حَسِبْتَ بُغام رَاحلتي عَنَاقًا ... وَمَا هِيَ وَيْبَ غَيْرك بالعناقِ
حَدثنَا مُحَمَّد بن هرون، أَبُو حَامِدٍ الْحَضْرَمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَجِيدِ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: صَحِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاحِبًا فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْضَةً فَقَطَعَ غُصْنَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَعْوَجُ وَالآخَرُ مُسْتَقِيمٌ، فَدَفَعَ إِلَى صَاحِبِهِ الْمُسْتَقِيمَ وَأَمْسَكَ الأَعْوَجَ، فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْت أَحَق بِهَذَا، فَقَالَ: " كَلا، مَا مِنْ صَاحِبٍ يَصْحَبُ صَاحِبًا إِلا وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ ".
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى بْنِ السُّكَيْنِ الْبَلَدِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ يُونُسَ بْنِ الْقَاسِمِ الْيَمَامِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ يُونُسَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أبي، عَن حموة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ يُحَدِّثُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ غَيْضَةً وَمَعَهُ صَاحب لَهُ، فَأخذ مِنْهَا مِسْوَاكَيْنِ أَرَاكًا، أَحَدُهُمَا مُسْتَقِيمٌ وَالآخَرُ مُعْوَجٌّ، فَأَعْطَى صَاحِبَهُ الْمُسْتَقِيمَ وَحَبَسَ الْمُعْوَجَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَنْتَ أَحَقُّ بِالْمُسْتَقِيمِ مِنِّي، قَالَ: " كَلا، إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ صاحبٍ يُصَاحِبُ صَاحِبًا وَلَوْ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ إِلا سَأَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَنْ مُصَاحَبَتِهِ إِيَّاهُ، فَأَحْبَبْتُ أَلا أَسْتَأْثِرَ عَلَيْكَ بِشَيْءٍ ".
قَالَ القَاضِي: تأملوا - رحمكم اللَّه - مَا فِي هَذَا الْخَبَر من ذَكَرَ مَا أَتَى بِهِ من أَخْلَاق رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّرِيفَة الْعلية، وعشرته لمن صَاحبه الْكَرِيمَة الرضية، والإفضال والإيثار، وعزوفه عَنِ الاستبداد والاستئثار، وَمن أولى بذلك مِمّن الْقُرْآن الْعَظِيم أدبُه، ومُنزل