الْوَحْي الْحَكِيم مُؤدبه، وَقد رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سُئِلت عَنْ خُلُقِ رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَت: كَانَ خُلُقُه الْقُرْآن.
قَالَ القَاضِي: وَأعظم بقول الله عَزَّ وَجَلَّ " وَإنَّك لعلى خلق عَظِيم " نُبْلا وَمَجْدًا وَفَضْلا وجدًّا، وَقد جَاءَ فِي الْأَثر أَنَّهُ كَانَ أَحْيَا من عَذْراء فِي خدرها، وَأَنه كَانَ أَشد النّاس فِيمَا كَانَ من أَمر اللَّه عَزَّ وَجَلَّ، فيرضى أحسن الرِّضَا حِين التَّوَاضُع، وَيُعْطِي أجزل الْعَطاء عِنْدَ السّمَاحةِ والاسترفاد، ويغضب لله عَزَّ وَجَلَّ أَشد الْغَضَب عِنْدَ ظُهُور الغّيِّ والْعِناد، والعَبَث والفَسَاد، وَكَانَ فِي أَمر ربه ونصرة دينه كالحسام الباتر، والضِّرغام الخَادِر، فَأكْرم بِنَفسِهِ السمحة الزكية الشَّرِيفَة الأبية، وسجاياه السهلة الرضية، وعطاياه الفاضلةُ السّنيَّة، اللَّهُمَّ لفك الحمدُ عَلَى توفيقك إيانا لتصديقه، وهدايتك لَنَا بِهِ، اللَّهم فأسْعِدنا باتّباع أوامره، وَالْوُقُوف عِنْدَ زواجره، والاستمرار عَلَى سُنّته، والسعادة بِشَفَاعَتِهِ.
حَدَّثَنَا ابْن دُرَيْد، قَالَ: أَخْبَرَنَا السكن بْن سَعِيد، عَنِ الْعَبَّاس بْن هِشَام، عَنْ أَبِيه، عَنْ عوانةَ بن الحكم، قَالَ: حَدثنَا شَيْخَانِ من هَمْدَان قَالَا: كَانَ نظام بْن جشم بْن عُمَر بْن مَالك بْن عَبْد الْجِنّ الْهَمدَانِي، وَهُوَ جدُّ أعشى هَمدَان، وَاسم الْأَعْشَى عَبْد الرَّحْمَن بْن الْحَارِث بْن نظام، مؤاخيًا لأشْوع بْن أبي مَرْثد الهَمْداني وَكَانَا مغوارين فاتكين قرضوبين جوداين - قَالَ ابْن دُرَيْد: القرضوب: الَّذِي يَأْخُذ كلّ مَا لَاحَ لَهُ - لَا يَلِيقَان شَيئًا، قَالَ القَاضِي: يُقَالُ للصوص: قراضبة، وَيُقَال للْفَقِير قرضوب، قَالَ الشَّاعِر:
قَوْمٌ إِذَا صَرَّحَتْ كَحْلٌ فَدَارُهُمُ ... كَهْفُ الضَّعيفِ ومأوى كُلِّ قرضوبِ
رَجَعَ الحَدِيث: لَا يَليقان شَيئًا، فَخَرَجَا يُريدَان الْغَارة عَلَى مَهْرة ابْن حيدان، وَكَانَ يختلسان الصِّرمة ثُمَّ يشلانها مجاهرة، فَإِن أدْركا رَمَيا فَلم يَسْقُط لَهَما سهم، قَالَ ابْن الْكَلْبِيّ: قَالَ أبي، قَالَ عوَانَة: سمعتُ من أثقب بِهِ من رجال هَمدَان يخبر أنّ السرب من القطا كَانَ يمرُّ بهما طائرا فَيَقُولَانِ: أَيهَا تُرِيدُونَ؟ فيوَمأ إِلَى الْوَاحِدَة مِنْهَا فيرميانها فَلا يخطئان، وَكَذَلِكَ الظّباء، وَبَين بِلَاد هَمدَان وبلاد مَهْرة مَفَازة مُنكَرة، لَا تسلكها الخيلُ وتسوخُ فِيهَا أَخْفَاف الْإِبِل فتصب فِيهَا أَوديَة مَهْرة وأودية الْحُوف، وَهِي سبخَة ملحة نشاشة، لَا تُنبت عودا لَيْسَ العكرش، قَالَ: ففوزا أيّامًا وشَوّل ماؤهما وخافا الْهَلَاك، فأبصرا يَوْمَا مَعَ ذرور الشَّمْسُ طيرًا تَحُوم عَلَى غمضٍ من الأَرْض، فَقَالَ أَحدهمَا لصَاحبه: أَلا ترى مَا أرَاهُ، فَقَالَ: بلَى وَالله إِنَّهَا لتحوم عَلَى لحم أَوْ مَاء، وأيها كَانَ فَهُوَ ملكٌ أَوْ وَشَل فقصدا الْجِهَة حَتَّى هبطا غَائطًا ذَا خَبْراوات ونُقْعَان، فأناخا وشربا وسقيا وعَضَّدَا لراحلتيهما، واستظلا بِبَعْض تِلْكَ الشَّهْر، فَبينا كَذَلِك إِذْ مرَّ بهما أُمعوز، وَهُوَ جمَاعَة من الظباء، فرمياه فصرعا ظبيين وأورقا وأوْريا واشْتَوَيَا وقعدا يرقُبان اللَّيْل ليستدلا بالنجوم،