لقد طفتُ سَبْعًا قلتُ لما قضيتها ... أَلا ليتَ سعيي لَا عليَّ وَلَا ليا
وإنَّ الَّذِي يَبْغِي رضايَ بذكرها ... لأكرمُ من أَهلِي عليَّ وماليا
فَقَالَ: وأغنيك أحسنَ مِنْهُ يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، جعلني الله فدَاك. قَالَ: أَنْت وَذَاكَ، فَغَنّاهُ:
قدم الطويلُ فأشرقت واستبشرت ... أرضُ الحجازِ وَبَان فِي الأسحار
غيث الحيا وضياءُ كلِّ مُلمَّة ... سهل القيادِ ومألفُ الزوّار
قَالَ القَاضِي: فأجاده وَأحسنه، غير أَن الْمهْدي قَالَ: هَذَا حسن وَلَكِن غنني " لقد طفت سبعا " قَالَ لَهُ: وأحسنُ مِنْهُ، جعلني الله فدَاك. قَالَ لَهُ: أَنْت وَذَاكَ، فغناه:
إنَّ هَذَا الطَّوِيل من آل حفصٍ ... نشر الجودَ بَعْدَمَا كَانَ مَاتَا
وَبنى المجدَ مُشْبهًا لِأَبِيهِ ... مثلَ مَا يشبهُ النباتُ النباتا
قَالَ القَاضِي: هَكَذَا رواهُ، وأنشر أفْصح. فأحسنه وأجاده، فَقَالَ الْمهْدي: وَيحك يَا أَبَا سعيد، مَا تركتُ فِي إحسانٍ مزيدًا وَلَكِن غنّني: " لقد طفتُ سبعا " فغنّاه:
إنَّ الطويلَ من آل حفصٍ فاعملوا ... سَاد الْحُضُور وساد فِي الْأَسْفَار
قَالَ، فَقَالَ لَهُ الْمهْدي: أَنْت تحسنُ يَا أَبَا سعيد، وَلَكِن لَيْسَ تغنيني الَّذِي أشتهي. فَقَالَ لَهُ الْفضل منتهرًا، غنِّ أَمِير الْمُؤمنِينَ مَا يَأْمُرك بِهِ. فَقَالَ أَبُو سعيد: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَا وَالَّذِي أكرمك بخلافته مَا لي إِلَى ذَلِكَ سَبِيل. قَالَ: وَكَيف؟ قَالَ: لِأَنِّي رأيتُ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَنَام، وَكَانَ فِي يَده شَيْء، فَأَهوى إليّ ليضربني بِهِ وَهُوَ يَقُول: لقد طفتُ سبعا، مَاذَا صنعتَ يَا بني؟ فقلتُ: اعفُ عَنِّي، فوباعثكَ بالحقِّ لَا غنَّيت هَذَا الصوتَ أبدا. قَالَ: فردَّه عني وَقَالَ: عَفا الله عَنْك. فرأيتُ الْمهْدي يبكي وتغلبُهُ دموعُهُ وَهُوَ يكفُّها، ثُمَّ وَصله وَصَرفه.
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ وَأَبُو بكر الْبَزَّاز قَالَا، حَدَّثَنَا أَبُو العيناء قَالَ، حَدَّثَنَا الْأَصْمَعِي قَالَ: كتب الْحجَّاج إِلَى عبد الْملك كتابا ووجَّه بِهِ مَعَ رَسُوله. فَجعل عبد الْملك يقرأُ الكتابَ ويستنشي الخبرَ من الرَّسُول فيجدُ شَرحه أشفى من كتاب الْحجَّاج، وَكَانَ أسود، فَأَنْشَأَ عبد الْملك يَقُول:
وَإِن عرارًا إنْ يكنْ غيرَ واضحٍ ... فَإِنِّي أُحبّ الجَوْنَ ذَا المنكبِ العَمَمْ
فَقَالَ الرَّسُول: أَنا عرار يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ، وَأبي قَالَ فيَّ هَذَا الشّعْر، فأُعجبَ بذلك عبد الْملك.
مُعَاوِيَةُ يَعِيبُ أَهْلَ الْيَمَنِ فَيَعِيبُ الْيَمَنِيُّ قَوْمَ مُعَاوِيَةَ
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْكَلْبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْكِلابِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن بكار قَالَ، حَدَّثَنَا عَامِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ قَالَ، قَالَ مُعَاوِيَةُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: مَا كَانَ أَجْهَلَ قَوْمَكَ حَيْثُ قَالُوا: " ربَّنا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا " سبأ:19 " وَحَيْثُ مَلَّكُوا أَمْرَهُمُ