مَا بردُ ماءٍ أيّ مَاء تَقوله ... تنزّلَ من غرٍّ طوالِ الذوائبِ
بمنحدرٍ من بطنِ وادٍ تقابلتْ ... عَلَيْهِ رياحُ الصيفِ من كلِّ جانبِ
ترقرق ماءُ المزنِ فيهنَّ والتقت ... عليهنَّ أنفاسُ الرياحِ الغرائبِ
نَفَتْ جريةُ الماءِ القذى عَن متونه ... فَلَيْسَ بِهِ عيبٌ يحسُّ لشارب
بأحسنَ مِمّن يقصر الطرفُ دونَهُ ... تُقَى الله واستحياءُ مَا فِي العواقبِ
حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْكَوْكَبِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّد عَبْد اللَّه بْن عَمْرو بْن بشر الْوَرَّاقُ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو زَكَرِيَّا يَحْيَى بْنُ خَلِيفَةَ الدَّارِمِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ السَّعْدِيُّ التَّمِيمِيُّ قَالَ: خَرَجَ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَابْنُ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ عِنْدِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ، فَلَمَّا صَارَا فِي الطَّرِيقِ قَالَ الْحَجَّاجُ لِمُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ: لَقَدْ بَلَغَنِي أَن اباك كَانَ إِ ذَا فَرَغَ مِنَ الْقُنُوتِ يَقُولُ كَلامًا حَسَنًا أَحْبَبْتُ أَنْ أَعْرِفَهُ، فَتَحْفَظُهُ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، مَا أَوْحَشَ لِقَاءَكُمْ، وَأَفْظَعَ لَفْظَكُمْ، وأشدَّ خُنْزُوَانَتَكُمْ، مَا تعدُّون النَّاسَ إِلا عَبِيدًا، وَلَقَدْ خُضْتُمُ الْفِتْنَةَ خوضاً وقتلتم الْمُهَاجِرين والنصار. فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ وَأَنْكَرَ لَفْظَهُ وَأَحْفَظَهُ، فَوَقَفَ وَسَارَ الْحَجَّاجُ. وَرَجَعَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ إِلَى بَابِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَقَالَ لِلآذِنِ: اسْتَأْذِنْ لِي، فَقَالَ: أَلَمْ تَكُنْ عِنْدَهُ قَبْلُ وَخَرَجْتَ آنِفًا، فَمَا ردَّك وَقَدِ ارْتَفَعَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لَسْتُ أَبْرَحُ حَتَّى أَلْقَاهُ. فَكَرِهَ الآذان غَضَبَ الْخَلِيفَةِ فَدَخَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، هَذَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ مستأذنٌ عَلَيْكَ، فَقَالَ: أَلَمْ يَكُنْ عِنْدِي قَبْلُ، لَقَدْ ردَّه أمرٌ، إِيذَنْ لَهُ. فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهِ تَحَلْحَلَ عَنْ مَجْلِسِهِ كَمَا كَانَ يَفْعَلُ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ هَذَا الْحَجَّاجُ أَسْمَعَنِي كَلامًا تكمَّشت لَهُ، وَذَكَرَ أَبِي بِكَلامٍ تَقَمَّعْتُ لَهُ، وَمَا أَحَرْتُ حَرْفًا، قَالَ: فَمَا قَالَ لَكَ حَتَّى أَعْمَلَ عَلَى حَبْسِهِ؟ قَالَ: وَكَأَنَّمَا تَفَقَّأَ فِي وَجْهِهِ الرُّمَّانُ وَنَخَسَهُ شَوْكٌ، فَخَبَّرَهُ عَمَّا سَأَلَهُ عَنْهُ، فَقَالَ لِصَاحِبِ شُرْطَتِهِ: عليَّ بِالْحَجَّاجِ السَّاعَةَ. فَأَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ حِينَ خَلَعَ ثِيَابَهُ فَحَمَلَهُ حَمْلا عَنِيفًا، وَانْصَرَفَ ابْنُ الْحَنَفِيَّةِ. فَجَاءَ الْحَجَّاجُ فَوَقَفَهُ بِالْبَابِ طَوِيلا ثُمَّ قَالَ: إِيذَنْ لَهُ، فَدَخَلَ فسلَّم عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ:
لَا أَنْعَمَ اللَّهُ بعمروٍ عَيْنًا ... تَحِيَّةَ السُّخط إِذَا الْتَقَيْنَا
يَا لُكَعُ وَهِرَاوَةَ الْبَقَّارِ، مَا أَنْتَ وَمُحَمّد ابْن الْحَنَفِيَّةِ؟! قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا كَانَ إِلا خَيْرًا، قَالَ: كَذَبْتَ وَاللَّهِ لَهُوَ أَصْدَقُ مِنْكَ وَأَبَرُّ، ذَكَرْتَهُ وَذَكَرْتَ أَبَاهُ، فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا أَفْضَلُ مِنْ أَبِيهِ؛ وَمَا جَرَى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ؟ قَالَ: سَأَلْتُهُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ شيءٍ بَلَغَنِي كَانَ أَبُوهُ يَقُولُهُ بَعْدَ الْقُنُوتِ، قَالَ: لَا أَعْرِفُهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ ذَاكَ مقتٌ مِنْهُ لَنَا وَلِدَوْلَتِنَا، فَأَجَبْتُهُ بِالَّذِي بَلَغَكَ. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ: أَسَأْتَ وَلَؤُمْتَ، وَاللَّهِ لَوْلا أَبُوهُ وَابْنُ عَمِّهِ لكنَّا حَيَارَى