رَأَتْ رَجُلا أَمَّا إِذَا الشَّمْسُ عَارَضَتْ ... فَيَضْحَى وَأَمَّا بالعشيِّ فَيخْصَرُ
قَالَ: مَا أَرَاكَ إِلا وَقَدْ حَفِظْتَ الْبَيْتَ، قَالَ: نَعَمْ، وَإِنْ شِئْت أَن أنْشدك القصيدة أنشدتكما، قَالَ: فَإِنِّي أَشَاءُ، قَالَ: فَأَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ حَتَّى جَاءَ عَلَى آخِرِهَا، ثمَّ أقبل على ابْن رَبِيعَةَ فَقَالَ: أَنْشِدْ، فَقَالَ:
تُشَطُّ غَدًا دَارُ جِيرَانِنَا
فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَلَلدَّارُ بَعْدَ غدٍ أَبْعَدُ.
فَقَالَ: كَذَاكَ قُلْتُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ، أَسَمِعْتَهُ؟ قَالَ: لَا وَلَكِنْ كَذَلِكَ يَنْبَغِي.
قَالَ القَاضِي: وَقد روى بعضُ الروَاة بَيت ابْن أبي ربيعَة فَقَالَ: أيّما إِذا الشَّمْس، وَأَيّمَا بالعشيّ، وَهِي لغةٌ مَعْرُوفَة. وَقَوله فيضحى قيل: معناهُ يمسّه الْحر، وَقيل: تعلوهُ الشَّمْس وَهُوَ ضاحٍ لَهَا غيرُ مستتر مِنْهَا، والضحُّ، الشَّمْس، والعربُ تَقُولُ: الضحّ والدحّ. وَرُوِيَ أَن عبد الله بن عمر رأى رجلا قد استظلَّ من الشَّمْس وَهُوَ محرم فَقَالَ لَهُ: أضحِ لِمن أَحرمت لَهُ. وَمن هَذَا قَول الله عَزَّ وَجَلَّ. " وأنَّك لَا تَظْمَأُ فِيهَا وَلا تَضْحَى " " طه:119 " أَي لَا يصيبك فِيهَا حرٌّ ولَا يعلوك شمسٌ؛ وَقد قَالَ جلّ اسْمه فِي أهل الْجنَّة: " لَا يَرَوْنَ فِيهَا شَمْسًا وَلا زَمْهَرِيرًا " " الْإِنْسَان:13 ". والزمهرير: الْبرد الشَّديد، وَمن وقِي أذاهما فقد أنعم الله عَلَيْهِ، قَالَ الْأَعْشَى:
مبتّلة الخلقِ مثل المهاةِ ... لَمْ تَرَ شمسًا وَلَا زَمهريرا
وَقد زعم بَعضهم أَن الزَّمْهَرِير من أَسمَاء الْقَمَر، وَأنْشد فِي هَذَا الْمَعْنى:
وليلةٍ فِيهَا الظلامُ مُعْتَكِرْ ... قطعتُها والزمهريرُ مَا زَهَرْ
وأمّا الخَصَرُ فَإِنَّهُ البردُ القارس، يُقال: قد خَصِرَ الرجلُ يخصر إِذا أَصَابَهُ الْبرد، كَمَا قَالَ الفرزدق:
إِذا أنسوا نَارا يقولونَ ليتها ... وَقد خَصِرَتْ أيديهمُ نارُ غالِبِ
وَيُقَال: ماءٌ خصر أَي بَارِد، كَمَا قَالَ امْرُؤ الْقَيْس:
فَلَمَّا استطابا صبَّ فِي الصحن نِصْفُهُ ... وَجَاءُوا بنصفٍ غير طرقٍ وَلَا كَدِرْ
بِماءِ سحابٍ زلَّ عَن ظهرِ صخرةٍ ... إِلَى بطنِ أُخْرَى طيّبٍ ماؤُها خَصِرْ
قَالَ بَعضهم: هَذَا أحسنُ مَا قيل فِي صفة المَاء. وَقَالَ قَائِلُونَ: بَلْ أحسنُ مَا قيل فِي صفة المَاء أبياتٌ أتتْ فِي خبرٍ حدَّثناه أَبُو بكر ابْن الأَنْبَارِيّ لَمْ يَحْضرْني إسنادُهُ، وَقد ذكرتُهُ فِي بعض مجالسنا هَذِه، وَهُوَ أَنَّهُ ذكر أَن عاتكةَ المرية عَشِقَتِ ابْن عمّها فأرادها عَن نَفسهَا، فأنشأت تَقُولُ: