وَمَا أَتَى من هَذَا الضَّرْب كَثِير، وَقد أَتَيْنَا مِنْهُ فِي أَوَائِل مجالسنا هَذِه ورسمنا من منظومه لنا ولغيرنا.
حَدَّثَنَا الْحَسَن بْن أَحْمَد الْكَلْبِيّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْغلابِي قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن عبد الله قَالَ، حَدَّثَنِي عَليّ بن مُحَمَّد قَالَ، قَالَ أنو شرْوَان لبزرجمهر لَما أَرَادَ قَتله: إِنِّي قاتِلُكَ فَتكلم بِشَيْء تُذْكَرُ بِهِ، فَقَالَ: أيُّها الْملك إِن الدُّنْيَا حَدِيث حسن وقبيح، فَإِن استطعتَ أَن تكونَ حَدِيثا حسنا فَكُنْهُ. قَالَ أَبُو عبد الله: فَذكر هَذَا الْكَلَام لِابْنِ عَائِشَة فَقَالَ: صَدَقَ وَالله، وَهُوَ من قَول الله عَزَّ وَجَلَّ: " وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صدقٍ فِي الآخِرِينَ " " الشُّعَرَاء: 84 " وَأنْشد ابْن عَائِشَة:
ألمْ تَرَ أنَّ تخلُد بعدهمْ ... أَحَادِيثهم والمرءُ لَيْسَ بِخالِدِ
وَأنْشد أَيْضا:
وَإِذا الْفَتى لَاقَى الْحِمامَ رأيتهُ ... لَوْلَا الثَّنَاء كَأَنَّهُ لَمْ يولدِ
حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْن سَعِيدٍ الْهَمَذَانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَمَّدِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ قَالَ، سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحُسَيْنِ يَقُولُ، سَمِعْتُ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ: قَدِمَ شيخٌ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ يُقَالُ لَهُ أَبُو مَطَرٍ، فَقِيلَ لِي: إِنَّهُ يَرْوِي حَدِيثًا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ. فَأَخَذَنِي فَضَمَّنِي إِلَيْهِ وَبَكَى ثُمَّ قَالَ: نَعَمْ قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَلَيْسَ لِي بِهَا مَعْرِفَةٌ فَكُنْتُ آوِي إِلَى الْمَسْجِدِ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ الْمَسْجِدُ عِمَارَتُهُ بِاللَّيْلِ كَعِمَارَتِهِ بِالنَّهَارِ مِنْ بَيْنِ مصلٍّ أَوْ ذَاكِرِ فِقْهٍ أَوْ مُتَعَبِّدٍ. فَدَخَلْتُ السُّوقَ وَأَنَا غلامٌ ذيَّالٌ صَاحِبُ سُكَيْنِيَّةٍ، فَإِذَا رجلٌ مِنْ خَلْفِي يَقُولُ: ارْفَعْ إِزَارَكَ فَإِنَّهُ أَنْقَى لِثَوْبِكَ وَأَتْقَى لِرَبِّكَ، وَخُذْ مِنْ شَعْرِكَ إِنْ كُنْتَ مُسْلِمًا. فالتفتُّ فَإِذَا رجلٌ أَصْلَعُ ضَخْمُ الْبَطْنِ مؤتزرٌ أَسْفَلَ مِنْ ثَدْيَيْهِ، عَلَيْهِ رِدَاؤُهُ وَفِي يَدِهِ مِخْفَقَةٌ. فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ.
فَتَجَنَّبْتُ الطَّرِيقَ فَحَلَلْتُ شَعْرِي وَفَرَّقْتُهُ، وَرَفَعْتُ إِزَارِي وَشَمَّرْتُهُ، وَاتَّبَعْتُهُ فَدَخَلَ دَارَ الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ، وَكَانَتِ الإِبِلُ تُبَاعُ بِهَا، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ أَصْحَابِ الإِبِلِ إِيَّاكُمْ وَالْحَلِفَ فَإِنَّهُ يُنَفِّقُ السِّلْعَةَ وَيَمْحَقُ الْبَرَكَةَ، ثُمَّ أَتَى النَّحَّاسِينَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النَّحَّاسِينَ إِيَّاكُمْ أَنْ تُزَيِّنُوا سِلْعَتَكُمْ بِمَا لَيْسَ فِيهَا، أَلا إِنَّنِي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: " لَيْسَ مِنَّا مَنْ غشَّنا ". ثُمَّ أَتَى التَّمَّارِينَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ التَّمَّارِينَ، تَصَدَّقُوا يَرْبُ كَسْبُكُمْ، وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ، وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ. فَلَمَّا كَادَ يَجُوزُهُمْ إِذَا هُوَ بأمةٍ تَبْكِي، قَالَ مَا لَكِ؟ قَالَتْ: ابْتَعْتُ مِنْ هَذَا تَمْرًا بِدِرْهَمٍ فَأَتَيْتُ بِهِ أَهْلِي فَقَالُوا: ردّيه. فقا ل: يَا تَمَّارُ، خُذْ تَمْرَكَ وَارْدُدْ عَلَيْهَا