وَكَيف لَا أعرفك وَقد فرَّغ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي أبويكَ سُورَة من كِتَابه فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: " تبَّت يَدَا أَبِي لهبٍ " " المسد:1 " قَالَ: فضحكَ وَقَالَ: أَنْت الفرزدق، قلت: نعم، قَالَ: قد علمتُ أَن أحدا لَا يحسنُ هَذَا غَيْرك.
معنى فرغ أَي لَيْسَ فِي السُّورَة غير ذكر أبي لَهب وَذكر امْرَأَته.
قَالَ القَاضِي: وَقد ألطفَ الفرزدق فِيمَا خاطبَ بِهِ الْفضل، لِأَنَّهُ لَما لَمْ يُمكنهُ مساجلته، وَقد فَخر بنسبه من هَاشم وقرباه من رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَتَى بِمَا يمضُّه ويفلُّ من غربه.
حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّهِ بْن مُسلم الْعَبْدي قَالَ، حَدَّثَنَا الْعَبَّاس بْن الفَضْل الْهَاشِمِي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو بكر الْحَسَن بن عَليّ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عبد الله وَزعم أَن رجل من أهل الْجَبَل، قَالَ: حَدَّثَنِي أبي قَالَ: سمعتُ أَبَا ربيعَة النَّحْوِيّ يَقُول: كَانَت الْعَرَب تَقُولُ: من لَمْ يكنْ عقله أكملَ مَا فِيهِ كَانَ هَلَاكه بأكملِ مَا فِيهِ. قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ أبي: فَحدثت بِهذا الحَدِيث الأصمعيَّ فَقَالَ: إِن هَذَا لحسن وَعِنْدِي آخرُ يُشبههُ: كَانَت الْعَرَب تَقُولُ: من كَانَت فِيهِ خصْلَة هِيَ أكمل من عقله فالحري أَن تكون سَبَب منيته. قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ أبي فَحدثت بِهَذَيْنِ الْحَدِيثين أَبَا عُبَيْدَة فَقَالَ: هَذَانِ حسنان وَعِنْدِي آخر يشبههما: كَانَت الْعَرَب تَقُولُ: من لَمْ يكن أغلب خِصَال الْخَيْر عَلَيْهِ عقله كَانَ أغلب فِي خِصَال الْخَيْر عَلَيْهِ حتفه. قَالَ أَبُو عبد الله قَالَ أبي: فحدثتُ بِهذه الأحاديثَ أَبَا دلف فَقَالَ: هَذِه حسان، وَعِنْدِي آخر أحسن مِنْهَا: كَانَت الْعَرَب تَقُولُ: كل شَيْء إِذا كثر رخص إِلَّا الْعقل فَإِنَّهُ إِذا كثر غلا.
حَدَّثَنَا أَحْمَد بن مُحَمَّد بْن أَبِي شَيْبَة قَالَ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد بن حَيَّان قَالَ، حَدثنَا أَبُو حام السجسْتانِي عَن أبي عبد الرَّحْمَن الْعُتْبِي قَالَ: كَانَ أَعْرَابِي يشبب بِامْرَأَة، فقيلَ لَهُ: صفها، فَقَالَ: كَانَ وَالله وَجههَا السقمَ لمن رَآهَا، ولفظها البرءَ لمن ناجاها، وَكَانَت فِي الْقرب أبطن من الحشا، وَفِي النأي أبعدَ من السما، وَلَقَد كنت آتيها فِي أَهلهَا فيتجهَّمني لسانها ويَمنيني طرفها، فتعتريني لذَلِك فَتْرَة فتذكرني الصِّبَا وَهوى يهتك مني ستر الحيا.
قَالَ القَاضِي: وَقد أُنْشِدْتُ ثلاثةَ أبياتٍ الْبَيْت الثَّالِث يضارع بعض مَا أَتَت بِهِ أَلْفَاظ هَذَا الْخَبَر وَهِي:
وتنالُ إِن نظرتْ بلحظتها ... مَا لَا ينالُ بحدِّه النصلُ
وَإِذا نظرتَ إِلَى محاسنها ... فكلِّ مَوضِع نظرةٍ قتل
ولقلبها حلمٌ تصدُّ بِهِ ... عَن ذِي الْهوى ولطرفها جَهْلُ