بِجَمْعِ الأَمْوَالِ وَالادِّخَارِ، لَيْسَا مِنْ دَعَائِمِ الدِّينِ، أَقَرَبُ شَبَهًا بِهِمَا الأَنْعَامُ السَّائِمَةُ.
كَذَلِكَ يَمُوتُ الْعِلْمُ بِمَوْتِ حَامِلِيهِ. اللَّهُمَّ بَلَى، لَنْ تَخْلُو الأَرْضُ مِنْ قَائِمِ اللَّهِ بحجةٍ لِكَيْلا تَبْطُلَ حُجَجُ اللَّهِ وَبَيِّنَاتُهُ. أُولَئِكَ الأَقَلُّونَ عَدَدًا، الأَعْظَمُونَ عِنْدَ اللَّهِ قَدْرًا، بِهِمْ يَدْفَعُ اللَّهُ عَنْ حُجَجِهِ حَتَّى يُؤَدُّوهَا إِلَى نُظَرَائِهِمْ، وَيَزْرَعُوهَا فِي قُلُوبِ أَشْبَاهِهِمْ، هَجَمَ بِهِمُ الْعِلْمُ عَلَى حَقِيقَةِ الأَمْرِ فَاسْتَلانُوا مَا اسْتَوْعَرَهُ الْمُتْرَفُونَ، وَأْنَسُوا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجاهلون، صحبوا الدُّنْيَا بأبدانٍ أراوحها معلقةٌ بِالْمَلَكُوتِ الأَعْلَى، أُولَئِكَ خُلَفَاءُ اللَّه فِي بِلادِهِ، وَالدُّعَاةُ إِلَى دِينِهِ، آهٍ آهٍ شَوْقًا إِلَى رُؤْيَتِهِمْ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
قَالَ القَاضِي: لقد ألْقى أميرُ الْمُؤمنِينَ العالِمُ الربانيُّ إمامُ الْمُسلمين صلوَات الله عَلَيْهِ وَآله إِلَى كُميل بن زيادٍ فِي مَجْلِسه هَذَا علما عَظِيما وَحكما جسيمًا، وخلَّف بِما أَتَى بِهِ مِنْهُ للْمُسلمين حِكْمَة شافيةً وَوَصِيَّة كَافِيَة، وَمن جعل من الْعلمَاء مستودع هَذَا الْخَبَر إِمَامه، وَأخذ بِهِ فِي دينه، اقتبسَ علما غزيرًا، واستفادَ خيرا كثيرا. ونسألُ الله التَّوْفِيق لإصابة القَوْل وَالْعَمَل، والعصمة من الْخَطَأ والزلل.
حَدَّثَنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ، أَخْبَرَنَا أَبُو حَاتِم قَالَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّه بْن عمر بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أبي سُفْيَان قَالَ: زوج مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان ابْنَته من عَبْد اللَّه بْن عَامر بْن كريز، فَلَمَّا ابتنى بِهَا امْتنعت عَلَيْهِ امتناعًا شَدِيدا لَمْ يصل مَعَه مِنْهَا إِلَى شَيْء، فضربها فَبَكَتْ وَسمع الْجَوَارِي بكاءها فَصِحْنَ، وَوَقع ذَلِكَ فِي أذن مُعَاوِيَة، فجَاء مبادرًا وَسمع مقَالَة الْجَوَارِي، فَدخل على عبد الله الْبَيْت فَقَالَ لَهُ: مثل هَذِه تُضرب؟ قبَّح الله رَأْيك وقبح مَا أتيت بِهِ، اخْرُج عَن هَذَا الْبَيْت إِلَى غَيره، فَلَمَّا خرج أقبل على ابْنَته فَقَالَ: يَا بنية لَا تفعلي فإنَّما هُوَ زَوجك الَّذِي أحلَّه الله لَك، أَو مَا سمعتِ يَا بنية قَول الشَّاعِر:
م الخفرات الْبيض أما حرامها ... فصعبٌ وأمّا حلُّها فذلولُ
ثُمَّ نَهض فَخرج وَعَاد زَوجهَا إِلَى الْبَيْت فَلَانَتْ وأذعنت.
قَالَ القَاضِي: فِي هَذَا الْخَبَر: " فَلَمَّا ابتنى بِهَا " وَقد اسْتعْمل هَذِه اللفظةَ جماعةٌ من المتفقهين وَمن لَهُ معرفَة بِالْعَرَبِيَّةِ، وأنكرها من اللغويين منكرون وَقَالُوا: الكلامُ الصَّحِيح فِي هَذَا بَنَى عَلَيْهَا، وَذَاكَ أنَّ الرَّجُلَ مِنَ الْعَرَبِ كَانَ إِذا تزوج بنى على امْرَأَته بنيًّا من خباء وَغَيره للخلوة بِهَا والإفضاء إِلَيْهَا، وَكثر ذَلِكَ وَعرف حَتَّى قيلَ لكلِّ من دخل بِزَوْجَتِهِ: قد بنى عَلَيْهَا. ومِمَّا حدث فِي زَمَاننَا من كَلَام سفلَة العامةِ أَن يَقُولُوا لِمن غشي امْرَأَة: قد ابتنى بِهَا، وَإِن كَانَ إِتْيَانه إِيَّاهَا زنا وسفاحًا.