خطب عتاب بْن وَرْقَاء الريَاحي على الْمِنْبَر فَقَالَ: أَقُول كَمَا قَالَ الله تَعَالَى فِي كِتَابه:
لَيْسَ شَيْء على الْمنون بباقٍ ... غير وَجه المسبح الخلاق
فَقيل لَهُ: أَيهَا الْأَمِير، هَذَا قَول عدي بْن زيد، فَقَالَ: فَنعم وَالله مَا قَالَ عدي بْن زيد.
قَالَ ابْن دُرَيْد أَخْبَرَنَا أَبُو عُثْمَان فِي عقب هَذَا الحَدِيث وَلم يسْندهُ إِلَى أحد قَالَ: أُتِي عتاب بْن وَرْقَاء بِامْرَأَة من الْخَوَارِج فَقَالَ لَهَا: يَا عدوة الله مَا حملك على الْخُرُوج علينا؟ أما سَمِعت الله يَقُول:
كتب الْقَتْل والقتال علينا ... وعَلى الْمُحْصنَات جر الذيول
فَقَالَت: جهلك بِكِتَاب الله حَملَنِي على الْخُرُوج عَلَيْك وعَلى أئمتك يَا عَدو الله.
حَدثنَا الْحُسَيْن بْن الْقَاسِم الكوكبي قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو الفَضْل الربعِي قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي، وَحدثنَا مُحَمَّد بْن القَاسِم الأنبَاريّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنَا أَحْمَد بْنُ عُبَيْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْن السَّائِب عَن أَبِيه عَن الشَّرْقِي بْن الْقطَامِي وألفاظ الرِّوَايَتَيْنِ مُخْتَلفَة ومعاينهما مُتَقَارِبَة قَالَ، قَالَ الرشيد للمفضل الضَّبِّيّ: أَخْبرنِي يَا مفضل عَن قَول الْعَرَب:
الْخَيْر يبْقى وَإِن طَال الزَّمَان بِهِ ... وَالشَّر أَخبث مَا أوعيت من زَاد
فَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ هَذَا مثل لَهُم سَائِر قبل الْإِسْلَام، وَكَانَ من حَدِيث هَذَا الْمثل أَن عبيد بْن الأبرص الْأَسدي كَانَ حكيمًا من حكماء الْعَرَب وشاعرًا مجيدًا، قَتله الْمُنْذر بْن مَاء السَّمَاء من أجل الغريين وَكَانَ من حَدِيث هَذَا الْمثل قبل أَن يقْتله الْمُنْذر بِثَلَاثَة أَحْوَال أَن نَاسا نزلُوا عَلَيْهِ فقراهم وَأحسن ضيافتهم وَكَانَ يقري الضَّيْف وَيحسن إِلَى الْمُنْقَطع بِهِ، فَلَمَّا أَرَادَ الْقَوْم الرحيل خرج مَعَهم يشيعهم، فشيعهم حَتَّى أبعدوا ونزلوا فِي مَوضِع وَقَالَ غَيره: فَلَمَّا نزل الْقَوْم وعرسوا خرج عبيد وَصَاحب لَهُ يمشيان فِي الْموضع الَّذِي نزل الْقَوْم فِيهِ، وسارا حَتَّى أَتَيَا حبا هُنَاكَ فرأيا شجاعًا عَظِيما أَقرع يَلْهَث قد أدلع لِسَانه من الْعَطش، فَأخذ صَاحب عبيدٍ حجرا وهم أَن يشدخه بِهِ، فَقَالَ لَهُ عبيد: مَا أَنْت صانع؟ قَالَ: أقتل هَذَا الشجاع فَإِنَّهُ عَدو، قَالَ عبيد: لَا تفعل فَإِن الْأَسير قد يجار وَإِن كَانَ عدوا، ثُمَّ استقى من الْحبّ مَاء فسقى الشجاع، فَجعل يشرب حَتَّى رُوِيَ، ثُمَّ تسبسب فِي الرمل فَغَاب، قَالَ: وَرجع عبيد إِلَى الْقَوْم فودعهم ثُمَّ رحلوا، وَرجع عبيد إِلَى منزله فَأَقَامَ حَوْلَيْنِ، فَأَتَاهُ بعض الرُّعَاة فخبره أَن إبِله قد شَردت فَركب رَاحِلَة لَهُ وَخرج فِي طلب الْإِبِل، وَكَانَ شجاعًا بطلا، فَسَار عشر مراحل لَا يرى لَهُ أثرا وَلَا يعرف لَهَا خَبرا، حَتَّى إِذَا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيَالِي وَقد كلت رَاحِلَته وتعب وأظلم اللَّيْل وهبت الرِّيَاح فَلم ير سهلا وَلَا جبلا نفقت الرَّاحِلَة، فَقَالَ: يَا لَك من ليلٍ ديجور وَمن نفوق راحلةٍ بِاللَّيْلِ، وَكَانَ الْموضع الَّذِي هُوَ فِيهِ يُقَال لَهُ الصادي وَهُنَاكَ مَاء، فَقَالَ: وَالله مَا أرى إِلَّا