كُنْتُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ أُمُورِكُمْ مُكْرَهِينَ وَلا إِلَيْهَا مُضْطَرِّينَ، فَقَالَ الشَّيْخُ: كَيْفَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ سَاقَنَا إِلَيْهَا؟ قَالَ: وَيْحَكَ لَعَلَّكَ ظَنَنْتَهُ قَضَاءً لازِمًا وَقدرا حاتماً، لَو كَانَ ذَاكَ لَسَقَطَ الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ، وَلَبَطُلَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ وَلا أَتَتْ لائِمَةٌ مِنَ اللَّهِ لِمُذْنِبٍ، وَلا مَحْمَدَةٌ مِنَ اللَّهِ لِمُحْسِنٍ، وَلا كَانَ الْمُحْسِنُ أَوْلَى بِثَوَابِ الإِحْسَانِ مِنَ الْمُذْنِبِ، ذَلِكَ مَقَالُ إِخْوَانِ عَبَدَةِ الأَوْثَانِ وَجُنُودِ الشَّيْطَانِ وَخُصَمَاءِ الرَّحْمَنِ، وَهُمْ قَدَرِيَّةُ هَذِهِ الأُمَّةِ وَمَجُوسُهَا، وَلَكِنِ اللَّهُ تَعَالَى أَمَرَ بِالْخَيْرِ تَخْيِيرًا، وَنَهَى عَنِ الشَّرِّ تَحْذِيرًا، وَلَمْ يُعْصَ مَغْلُوبًا، وَلَمْ يُطَعْ مُكْرَهًا، وَلَمْ يَمْلِكْ تَفْوِيضًا، وَلا خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا أَرَى فِيهِمَا مِنْ عَجَائِبِ آيَاتِهِمَا بَاطِلا " ذَلِك ظن الَّذين كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ " ص: 27.
فَقَالَ الشَّيْخُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا كَانَ الْقَضَاءُ وَالْقَدَرُ الَّذِي كَانَ فِيهِ مَسِيرُنَا وَمُنْصَرَفُنَا؟ قَالَ: ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ وَحِكْمَتُهُ. ثُمَّ قَرَأَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ " الْإِسْرَاء:23 فَقَامَ الشَّيْخُ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ:
أَنْتَ الإِمَامُ الَّذِي نَرْجُو بِطَاعَتِهِ ... يَوْمَ النُّشُورِ مِنَ الرَّحْمَنِ رِضْوَانَا
أَوْضَحْتَ مِنْ دِينِنَا مَا كَانَ مُلْتَبِسًا ... جَزَاكَ رَبُّكَ عَنَّا فِيهِ إِحْسَانَا
أَخْبَرَنَا الْمُعَافَى بْنُ زَكَرِيَّا قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَد بْن مُحَمَّد بْنِ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ عِنْدَهَا جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ فِي يَوْمِ عِيدٍ وَعِنْدَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْهَاهَا، فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَانْتَهَرَهَا، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا بَكْرٍ دَعْهَا فَإِنَّ لِكُلِّ قومٍ عِيدًا وَهَذَا عِيدُنَا.
قَالَ القَاضِي: قد ضمنا هَذِه الْمجَالِس نَظَائِر لهَذَا الْخَبَر، وَذكرنَا فِي غير مَوضِع من كتبنَا مَا جَاءَ من الرُّخْصَة فِي الْغناء الْمُبَاح وَمَا يسْتَعْمل مَعَه من آلَات الملاهي كالدف وَنَحْوه، وَأَن ذَلِك يخْتَار وَيُؤمر بِهِ فِي الأعياد والعرسات وَمَا يجْرِي مجْراهَا مِمَّا ينبسط عِنْده الْمُسلمُونَ وينشطون فِيهِ فِي مجامعهم ومآدبهم. وَذكرنَا فِي عدَّة مَوَاضِع مَا يكره من تَرْجِيع الْغناء و. طيط فِي تِلَاوَة الْقُرْآن وإنشاد الْعشْر، وأوضحنا سُقُوط من موه على النَّاس فِي ذَلِك وَتعلق بسخيف الشّبَه فِيهِ إرهاصًا لمعيشته وتوطئًا للحطام من مأكلته، وَإِن فِي وفور السرُور واستقامة الْأُمُور بِالتَّصَرُّفِ فِيمَا أَبَاحَهُ الله عز وَجل وَأذن فِيهِ لمندوحة عَمَّا حظره وزجر عَنْهُ وعابه.
حَدثنَا مُحَمَّد بْن الْحَسَن بْن دُرَيْد قَالَ أخبرنَا أبن عُثْمَان عَن التوزي عَن أَبِي عُبَيْدَة قَالَ: