وَقَالَ: إِن لي قصَّة وَلَيْسَ يجوز لي التَّزْوِيج، فصيّرها فِي دَار فَكَانَ إِذَا ورد عَلَيْهِ الْأَمر الَّذِي يَهُولُه أَتَاهَا فشاورها، فتشير عَلَيْهِ فَيرى فِي مشورتها الْبركَة، إِلَى أَن حضر الْملك فَجمع أهل مَمْلَكَته، فَقَالَ: كَيفَ كنت لَكُمْ؟ قَالُوا: كَالْأَبِ الرَّحِيم فجزاك اللَّه
خيرا، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتُمْ أَول أَمْرِي من آخِره قَالُوا: كنت فِي آخر أَمرك أحزم، قَالَ: فَإِن جَمِيع مَا رَأَيْتُمْ من ذَلِكَ كَانَ بمشورة هَذِهِ الْمَرْأَة، وَقد رَأَيْت لَكُمْ رَأيا، قَالُوا: وَمَا هُوَ أَيهَا الْملك؟ قَالَ: أُمِلِّكُها عَلَيْكُمْ من بعدِي، قَالُوا: فرأيك، فملكها عَلَيْهِمْ وَمَات الْملك، وَإِنَّهَا أمرت بحشر النَّاس إِلَيْهَا ليبايعوها، فحشر النّاس وَجَلَست تنظر، فَمر بهَا زَوجهَا وَأَخُوهُ، فَقَالَت: اعزلوا هذَيْن ثُمَّ مر بهَا المصلوب الَّذِي بَاعهَا، فَقَالَت: اعزلوا هَذَا، ثمَّ مر بهَا الراهب وَغُلَامه، فَقَالَت: اعزلوا هذَيْن، ثُمَّ صرفت النّاس ودعت بهم فَقَالَت لزَوجهَا: تعرفنِي؟ قَالَ: لَا وَالله، إِلَّا أَنِّي أعلم أنَّكَ الملكة، قَالَتْ: أَنَا فُلَانَة امْرَأَتك، وَإِن أَخَاك فعل بِي وَفعل وخبرته الْخَبَر، وَإِن اللَّه تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يصل إليَّ رَجُل مُنْذُ فارقتك، ثُمَّ دعت بأَخيه فَقتل، ثُمَّ دعت بِالرَّاهِبِ فأجازته، وَقَالَت: ارْفَعْ غلي مَا كَانَتْ لَك من حَاجَة، وحدثته بِقصَّة الْغُلَام وَمَا صنع بِابْنِهِ، ثُمَّ أمرت بالغلام فقُتل، ثمَّ دعت بالمصلوب وَأمرت بِهِ أَن يقتل ويصلب، فَفعل ذَلِك بِهن وَمَكَثت فِي ملكهَا مَا أَرَادَ اللَّه أَن تمكث ثُمَّ مَاتَت.، فَقَالَ: كَيْفَ رَأَيْتُمْ أَول أَمْرِي من آخِره قَالُوا: كنت فِي آخر أَمرك أحزم، قَالَ: فَإِن جَمِيع مَا رَأَيْتُمْ من ذَلِكَ كَانَ بمشورة هَذِهِ الْمَرْأَة، وَقد رَأَيْت لَكُمْ رَأيا، قَالُوا: وَمَا هُوَ أَيهَا الْملك؟ قَالَ: أُمِلِّكُها عَلَيْكُمْ من بعدِي، قَالُوا: فرأيك، فملكها عَلَيْهِمْ وَمَات الْملك، وَإِنَّهَا أمرت بحشر النَّاس إِلَيْهَا ليبايعوها، فحشر النّاس وَجَلَست تنظر، فَمر بهَا زَوجهَا وَأَخُوهُ، فَقَالَت: اعزلوا هذَيْن ثُمَّ مر بهَا المصلوب الَّذِي بَاعهَا، فَقَالَت: اعزلوا هَذَا، ثمَّ مر بهَا الراهب وَغُلَامه، فَقَالَت: اعزلوا هذَيْن، ثُمَّ صرفت النّاس ودعت بهم فَقَالَت لزَوجهَا: تعرفنِي؟ قَالَ: لَا وَالله، إِلَّا أَنِّي أعلم أنَّكَ الملكة، قَالَتْ: أَنَا فُلَانَة امْرَأَتك، وَإِن أَخَاك فعل بِي وَفعل وخبرته الْخَبَر، وَإِن اللَّه تَعَالَى يَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يصل إليَّ رَجُل مُنْذُ فارقتك، ثُمَّ دعت بأَخيه فَقتل، ثُمَّ دعت بِالرَّاهِبِ فأجازته، وَقَالَت: ارْفَعْ غلي مَا كَانَتْ لَك من حَاجَة، وحدثته بِقصَّة الْغُلَام وَمَا صنع بِابْنِهِ، ثُمَّ أمرت بالغلام فقُتل، ثمَّ دعت بالمصلوب وَأمرت بِهِ أَن يقتل ويصلب، فَفعل ذَلِك بِهن وَمَكَثت فِي ملكهَا مَا أَرَادَ اللَّه أَن تمكث ثُمَّ مَاتَت.
قَالَ القَاضِي: وَإِن ممّا تقدّمت روايتنا إِيَّاه فِي هَذَا الْمجْلس من التَّنْبِيه مَا يبْعَث الألباء عَلَى تَأمل عَاقِبَة أَعْمَالهم، وَمَا تؤثره نياتهم ومقاصدهم فِي أفعالهم، وَحسن عُقْبى الْحسنى وَسُوء مغبة السوءى. نسْأَل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ أَن يهب لَنَا بَصِيرَة مؤدية لَنَا إِلَى السَّلامَة وَالْغنيمَة فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة، فَلم ينلْ أحد خيرا إِلَّا بتوفيقه وإحسانه، وَلم يحلل بِهِ سوء فِي دُنْيَاهُ إِلَّا بامتحانه، وَلَا فِي دينه إِلَّا بخُذْلانه.
حَدَّثَنَا ابْن دُرَيْد، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَاتِم، قَالَ: أَخْبرنِي أَبُو الْحَسَن الْمَدَائِنِي، قَالَ: وَشَى واشٍ بِعَبْد اللَّه بْن هَمّام السّلُولي إِلَى زِيَاد أَنَّهُ هجاك فَقَالَ زِيَاد: أجمع بَيْنك وَبَينه؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَبعث زِيَاد إِلَى ابْن همام فجيء بِهِ فَأدْخل الرَّجُل بَيْتا، ثُمَّ قَالَ زِيَاد: يَا ابْن همام! بَلغنِي أنَّكَ هجوتني، قَالَ: كَلا أصلحك اللَّه مَا فعلت، وَلَا أَنْت لذَلِك بِأَهْل، قَالَ: فَإِن هَذَا أَخْبرنِي - وَأخرج الرَّجُل - فَأَطْرَقَ ابْن همام هنيهة، ثمَّ أقبل على الرجل فَقَالَ:
وَأَنت امْرُؤ إِمَّا ائتمنتك خَالِيا ... فخنت، وإمّا قلت قولا بِلَا علم
فَأَنت من الْأَمر الَّذِي كَانَ بَيْننَا ... بمنزلةٍ بَيْنَ الْخِيَانَة وَالْإِثْم
فأعجب زيادا جَوَابه، وأقصى السَّاعِي وَلم يقبل مِنْهُ.