ديره، فَلَمّا رَآهَا نزل ودعا غُلَاما لَهُ أسود فاحتملاها فأدخلاها الدَّيْر، فَلم يزل الراهب يعالجها حَتَّى برأت، وَكَانَ لَهُ ابنٌ صغيرٌ قَدْ مَاتَت أمه، فَقَالَ الراهب: إِن شِئْت أَن تذهبي فاذهبي، وَإِن شِئْت أَن تقيمي فأقيمي، فَقَالَت: بل أقيم فأخدمك أبدا، فَدفع إِلَيْهَا ابْنه وَكَانَت تربيه إِلَى أَن وَقعت فِي نفس العَبْد الْأسود فَرَاوَدَهَا، وَقَالَ: وَالله لَئِن لَمْ تتابعيني لأهلكنك، قَالَت: مَا أَنَا بمتابعتك فافعل مَا أَنْت فَاعل، فَلَمّا كَانَ اللّيل جَاءَ إِلَى الصَّبِي وَهُوَ نَائِم بَيْنَ يَديهَا فذبحه، فَلَمّا فعل لَك مضى إِلَى الراهب فَقَالَ لَهُ: أما علمت مَا كَانَ من أَمر هَذِه الخبيثة وَمَا فعلت بابنك؟ وَترى هَذِهِ فعل بهَا مَا فعل إِلَّا من أَمر عَظِيم قَدْ أتتْه، قَالَ الراهب: وَيحك وَمَا فعلت بِابْني؟ قَالَ: ذَبَحَتْهُ. فجَاء الراهب فَوجدَ ابْنه متشحطًا فِي دَمه، فَقَالَ لَهَا: مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لَا عَلَمُ لي غَيْر أَن غلامك كَانَ من أمره وَكَانَ، فقصت عَلَيْهِ الْقِصَّة، فَقَالَ الراهب: قَدْ شَكّكْتني فِي أَمرك، وَلست أُحِبَّ مقامك معي، فَهَذِهِ خَمْسُونَ دِينَارا فخذيها وامضي حَيْث شِئْت تكون لَك قُوَّة، فأخذتها وَمَضَت حَيْث انْتَهَت إِلَى قَرْيَة، فَإِذا رجل قَدِمَ ليُصْلَب وَالنَّاس مجتمعون والوالي، فَقَالَت للوالي - وَقد يرفع الرَّجُل عَلَى الْخَشَبَة - هَلْ لَك أَن تَأْخُذ مني خمسين دِينَارا وتخلي سَبِيل هَذا الرَّجُل؟ قَالَ: هَات. فحلّت كمها فَدفعت إِلَيْهِ الْخمسين دِينَارا فخلى سَبِيل الرَّجُل، فَقَالَ لَهَا الرَّجُل: مَا صنع أحدٌ بِأحد مَا صنعت لي أَنْت، وَلست بمفارقك، أخدُمك حَتَّى يفرق الْمَوْت بَيْننَا. فَمضى مَعهَا حَتَّى انتهيا إِلَى سَاحل الْبَحْر وَالنَّاس يعبرون فِي السفن فَدخل وأدخلها وَكَانَ لَهَا هَيْئَة وجمال، فَلَمّا رَآهَا أَهْلَ السَّفِينَة قَالُوا: من هَذِهِ الْمَرْأَة مِنْك؟ قَالَ: مَمْلُوكَة لي، وَقد وَقعت فِي نفس رَجُل مِنْهُم لما رَآهَا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُل: أتبيعها؟ قَالَ: إِنِّي لأكْره بيعهَا، وَلَو أردتُ ذَلِكَ ثُمَّ علمتْ للقيتُ مِنْهَا أَذَى لِأَنَّهَا تحبني، وَقد أخذت عَلَى أَلا أبيعها أبدا، قَالَ الرَّجُل: بعْها وخذْ مالَكَ واخْرُج وَلَا تُعْلِمها، فَبَاعَهُ إِيَّاهَا بِمَال كثير فَدفعهُ إِلَيْهِ وَأشْهد عَلَيْهِ أَهْلَ السَّفِينَة وَهِي مَعَ النسا، وَقرب إِلَيْهِ قاربا فَرجع فِيهِ وَهِي لَا تعلم ومضوا فِي الْبَحْر، فَلَمّا عَلَمُ الَّذِي اشْتَرَاهَا أَنَّهُ قَدْ تبَاعد وَلَا تقدر عَلَيْهِ قَامَ يكلمها وَيعلمهَا أَنَّهُ قد اشترها، قَالَتْ: اتِّق اللَّه فَإِنِّي امْرَأَة حرَّة، قَالَ: دعِي هَذَا عَنْكَ فقد مضى صَاحبك فَلا تقدرين عَلَيْهِ، فَلا تَزَوَّجي بِمَا لَا تنتفعين بِهِ، وَأَقْبل أَهْلُ السَّفِينَة عَلَيْهَا وَقَالُوا: يَا عدوة اللَّه! قَد اشْتِرَاك الرَّجُل وَنحن نشْهد، قَالَتْ: وَيحكم! خَافُوا اللَّه فَإِنِّي وَالله امرأةٌ حُرَّة وَمَا ملكني أحدٌ قد، قَالُوا: قُم إِلَيْهَا حَتَّى تفعل بهَا كَذَا وَكَذَا، فَإنَّك إِذَا فعلت ذَلِكَ سكنت، فَقَامَ إِلَيْهَا فَلَمّا خَافت عَلَى نَفسهَا دعت اللَّه عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فَإِذا السَّفِينَة قَد انقلبت بهم، فَلم ينج مِنْهُم غَيرهَا عَلَى ظهر السَّفِينَة، وَكَانَ للْملك ذَلِكَ الْيَوْم عيد عَلَى سَاحل الْبَحْر من الْجَانِب الآخر، وَهُوَ وَاقِف وَأهل مَمْلَكَته فَلَمّا رَأَى ذَلِكَ بعث من دخل عَلَيْهِم فِي السفن فَلم يقدر عَلَى غَيرهَا، فأخرجت إِلَيْهِ، فساءلها عَنْ أمرهَا ودعاها إِلَى التَّزْوِيج فَأَبت،