يَا شعَبي.
قَالَ القَاضِي: وَالَّذِي ذَكَرَ فِي هَذَا الْخَبَر عَلَى مَا فِي الرِّوَايَة الَّتِي بدأنا بهَا ذَكَرَ الْفَرِيضَة الَّتِي سَأَلَ الْحجَّاج الشّعبِيّ عَنْهَا فأجابهن وَذكر أنَّ أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْتلفُوا فِيهَا عَلَى خَمْسَة أَقْوَال فَهَذَا عَلَى مَا ذكره، وَهَذِه فَرِيضَة من فَرَائض الْجد مَعْرُوفَة يسميها الفرضيون الخَرْقاء، وأصول الصَّحَابَة فِيهَا مُخْتَلفَة، فَمنهمْ من يُنْزل الجَدَّ بِمَنْزِلَة الْأَب الْأَدْنَى فَلا يُورث الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات مَعَه، وَمِنْهُم من يُعْطي الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم أَو الْأَب فرائضهن وَيُورث الْجد بَعْدَ مَا يسْتَحقّهُ، وَهَذَا مَذْهَب عليّ وَعبد اللَّه، إِلَّا أنَّ عَبْد اللَّه لَا يفضِّل أُمًّا عَلَى جَدّ، وَقد روى عَنْهُ أنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَة من مُرَبّعاته، وَمِنْهُم من يُنزل الْجد مَعَ الْأَخَوَات من الْأَب وَالأُم أَوْ من الْأَب بِمَنْزِلَة الْأَخ فِي الْمُقَاسَمَة، وَبينهمْ فِي الْقدر الَّذِي تَنْتَهِي إِلَيْهِ الْمُقَاسَمَة ويفرض للْجدّ فَرِيضَة، خلاف لَيْسَ هَذِه مَوْضِعه، وروى منع الْإِخْوَة وَالْأَخَوَات الْمِيرَاث مَعَ الْجد عَنْ أبي بَكْر وَعَائِشَة وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير فيعدد كثير من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من عُلَمَاء الْأَمْصَار وَالْمُسْلِمين، والى هَذَا نَذْهَب، وَبَيَانه مشروح فِيمَا ألفناه من كتبنَا فِي فَرَائض الْمَوَارِيث.
وحَدثني أَحْمَد بْن كَامِل، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَبْد اللَّه مُحَمَّد بْن القَاسِم الْمَعْرُوف بِأبي العيناء، قَالَ: أتيت عَبْد اللَّه بْن دَاوُد الْخُرَيْبِي فَقَالَ لي: قَدْ حفظتُ الْقُرْآن، قَالَ: فاقرأ: " وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ "، قَالَ: فَقَرَأت الْعشْر حَتَّى أنفدتْه، قَالَ: اذْهَبْ فتعلم الْفَرَائِض، قَالَ: فَلت: قَدْ حفظت الصلب وَالْجد والْكُبْر، قَالَ: فأيما أقرب إِلَيْكَ، ابْن أَخِيك أَوْ عمك؟ قَالَ: قلت: ابْن أخي، قَالَ: وَلم؟ قَالَ: قلت: لِأَن ابْن أخي من أَبِي، وَعمي من جدي، قَالَ: اذْهَبْ الْآن فتعلم الْعَرَبيَّة، قَالَ: قلت: قَدْ علمتها قَبْلَ ذين، قَالَ: فَلم قَالَ عُمَر بْن الْخطاب حِين طعن: يَا لله للْمُسلمين، لم فتح تِلْكَ اللَّام وَكسر هَذِهِ؟ قَالَ: قلت: فتح تِلك للدُّعاء ومسر هَذِهِ للاستنصار قَالَ: لَوْ حَدّثْت أحدا لحدثتك.
قَالَ القَاضِي: قلت لِابْنِ كَامِل أملّ هَذَا الحَدِيث: مَا أنصفه لِمَا أوقع بِهِ هَذِهِ المحنة، وأسرع بِمَا لَمْ يُنكره من الْإِجَابَة، بمنعهما التمس من الْفَائِدَة، فَضَحِك.
قَالَ القَاضِي: هَذَا الْعشْر الَّذِي استقرأه الْخُريبي أَبَا العيناء يعرف بالصهيبي ويمتحن بِهِ من يتعاطى الْحِفْظ من الْقُرَّاء، وَله حَدِيث نذكرهُ فِيمَا يَأْتِي من مجالسنا هَذِهِ إِن شَاءَ اللَّه، وأمّا اللَّام فِي الْمَوْضِعَيْنِ من هذَيْن فَإِن أَئِمَّة النَّحْوِيين من الْكُوفِيّين والبصريين رَوَوْها مَفْتُوحَة فِي الْمَوْضِعَيْنِ، وَإِذا قيل: يَا لَلْقوم، فَهُوَ استغاثة تُفتح فِيهِ لَام المَدْعو، وَإِذا قيل: لِلْماء فالكسر لَازم لَام المَدْعُوِّ لَهُ أَوْ إِلَيْهِ، كَأَنَّهُ قَالَ: أدعوكم للْمَاء، وَقَالَ الشَّاعِر:
يالَ بكرٍ انشروا لي كُلَيْبًا ... يالَ بكرٍ أَيْنَ أَيْنَ الفِرَارُ؟